"هنا الرياض" - وسيلة الحلبي
لشهر رمضان في المملكة العربية السعودية جو روحاني، وطابع مميز يختلف عن أي مكان آخر حول العالم، حيث يستقبله السعوديون بفرحة كبيرة تعم الجميع من أكبر أفراد العائلة إلى أصغرها. ويحتفظ المجتمع السعودي خلال شهر رمضان بعاداته وتقاليده، فلا تتغير تلك العادات أو تندثر مع مرور الزمن. فقد حلّ خير الشهور وأفضلها وهو شهر الخير، شهر رمضان المبارك.

نداءٌ يحرك الروح الإيمانية في قلب كل مسلم حيث يكتسب رمضان مكانة عظيمة في قلوب المسلمين في جميع بقاع الأرض، وتتعلق به أفئدتهم ويعدون الليالي والأيام في انتظاره ويتحرقون شوقاً للقياه، ويتم استقباله في كل بلد من البلاد الإسلامية، كلُّ على طريقته وحسب عاداته وتقاليده التي تختلف من مكان لآخر، والقاسم المشترك بين الجميع في كل مكان هو الفرحة العارمة التي تجتاح كل الناس منذ مطلعه حتى تغيب شمس آخر أيامه.. هنا سنتكلم عن بعض العادات والتقاليد المنتشرة بين السعوديين في العاصمة الرياض خلال الشهر الفضيل.

عادات وتقاليد

تقول فهدة العتيبي من مدينة الرياض: إنهم يعدون لاستقباله شكل خاص، وهناك عادات عامة يحرص عليها الجميع من شراء الفوانيس، وتعليق الزينة، والازدحام على الأسواق، وشراء مستلزمات رمضان، وتوزيع أيام الإفطار بين بيوت الأقارب. ومن أشهر الأكلات في رمضان: الشوربة، السمبوسة، المكرونة، الشعيرية، سلطة الخضراوات، والحلى والفواكه. وعندما يأتي وقت السحور يتناولون وجبة تتألف من لحم مشوي وسلطة خضراء وسلطة فاكهة وكأس لبن رائب. ومن العادات المحببة للنفس لدى أهل الرياض أن يبدأ فطورهم بماء زمزم وتمر ولبن رائب، ثم يصلون المغرب، ثم يكملون الفطور بتجمع الأهل، ومن عاداتهم تبادل أماكن الفطور، فكل يوم يكون في بيت أحد الأقارب. وبعد صلاة العشاء والتروايح يحفظون القرآن.

الشعبنة

يبدأ الاستعداد لرمضان في أواخر شهر شعبان الذي يسبق رمضان حيث يُخصص يوم للاحتفال بقدوم رمضان يطلق عليه اسم "شعبانية" أو "شعبنة"، يجتمع فيه الأهل والأصدقاء والجيران ويتم تقديم جميع الأكلات الشعبية والحلويات، وتمتلئ الشوارع والأسواق بلافتات ولوحات الترحيب بهذا الشهر الفضيل، ويقبل الجميع على شراء أصناف الأطعمة الرمضانية استعداداً للصيام.

فرحة رمضان

بمجرد ثبوت الهلال وإعلان شهر رمضان، يعمّ الفرح بين السعوديين كما في باقي دول العالم العربي والإسلامي. وينتشر جو روحاني رائع حيث يبدؤون بتهنئة بعضهم البعض. فهذا الجو الروحاني منبعه تميُّز المملكة العربية السعودية بوجود الحرمين الشريفين. واستقبال رمضان بالرغم من تطور علم الفلك، وسهولة رصد أيام الشهور الهجرية، إلّا أن المجتمع السعودي مازال يفضل الطريقة التقليدية لمعرفة بدء شهر رمضان، وهي الطريقة التشويقية التي تعتمد على رصد الهلال، فيترقب الجميع في آخر أيام شهر شعبان خبر رؤية الهلال للتأكيد على حلول شهر رمضان، ليبدأ الناس بالتهاني لبعضهم البعض بقول "رمضان مبارك" و"كل عام وأنتم بخير" وغيرها من عبارات الترحيب بشهر رمضان.
السيدة أم عبدالرحمن حدثتنا عن العادات والتقاليد في استقبال شهر رمضان في العاصمة الرياض فقالت: رمضان له نكهة مختلفة ففي الماضي كان من العادات التهنئة بدخول الشهر الكريم قبل وبعد دخوله، ومع الزيارة بشكل يومي للأهل والأقارب والأحباب للتهنئة مع إقامة كبار السن في العائلة لوليمة الإفطار في منازل الأشخاص، حيث يجتمع الأهل والأقارب في وليمة رمضانية تعدها ربة المنزل ولمدينة الرياض طابع خاص في هذا الشهر الفضيل وأكثر ما يميزها التواصل الاجتماعي، وموائد الإفطار المنوعة، ولكن مع كل ذلك يبدو أن وجود القنوات الفضائية المتنوعة والكثيرة وشبكات التواصل الاجتماعي له دور مؤثر في إضعاف هذه العادات فهناك كثير من العادات والتقاليد عرفتها المنطقة الوسطى خلال شهر رمضان، وإن كانت هذه العادات تكاد تكون متشابهة في بقية مناطق المملكة من حيث البدء في الاستعداد لوجبة الإفطار مبكراً، إلا أنه في الغالب يكون الإفطار في البيوت، ومن ثم عادة التزاور والإفطار كل يوم لدى عائلة أو شخص معين، حتى ينتهي رمضان رغم صعوبة الصيام وما فيه من مشقة بسبب حرارة الأجواء وغيرها .

سوق الحلة وسط مدينة الرياض

هذا السوق لا تراه إلا في شهر رمضان المبارك، ويعد أكبر سوق لبيع المأكولات الشعبية في المملكة ولا يعرف هذا السوق إلا عشاق الأكلات الشعبية المميزة حيث يكثر الإقبال عليها في هذا الشهر الكريم. يقع سوق الحلة في البطحاء وسط مدينة الرياض حيث ترى فيه الباعة يفترشون الطريق والأرصفة وهم يبيعون السمبوسة والقطايف والسوبيا واللقيمات والسمك واللحوم والمشويات والرؤوس والمقادم والكبدة والخضراوات والفواكه والسمن والعسل وكل ما تشتهيه من مأكولات شعبية ستجده حتماً في هذا السوق. سوق الحلة سوق معروف منذ زمن بعيد حيث يحضر الباعة إلى السوق في وقت مبكر لكي يحجزوا أماكن لهم وتبدأ عمليات البيع والشراء بعد صلاة العصر مباشرة وحتى قبل أذان المغرب بقليل وهذا السوق لا يظهر إلا في رمضان شهر الخير فتجد فيه كل ما تشتهي نفسك من مأكولات شعبية ومن جميع المناطق فالمأكولات الخليجية والنجدية والجنوبية والشرقية وكل ما تشتهيه ستجده بكل تأكيد هنا في هذا السوق ورغم ظهور أسواق منافسة له إلا أنه يظل الأفضل.

فكـــوك الريــق

من أهم عادات سكان المملكة عند الإفطار "فك الريق" ويكون بتناول التمر والرطب والماء، ويُطلقون عليه "فكوك الريق" وبعده يبدؤون في تناول وجبة الإفطار التي تكون عادةً عبارة عن شوربة وسمبوسة وأصناف خفيفة مثل المعجنات إضافة إلى العصائر الرمضانية. وبعد الانتهاء يحتسون الشاي الأحمر مع الحلويات أثناء مشاهدة المسلسلات والبرامج الرمضانية التي تصاحب موعد الإفطار، ويتم تبخير المنزل، وتذهب بعض العائلات لأداء صلاة التراويح سوياً، ثم تبدأ النساء في التحضير لوجبة السحور وهي الوجبة الأساسية، التي تشمل الكبسة باللحم أو الدجاج كطبق رئيس وكذلك الصيادية والتي تتكون من السمك والأرز، والأطباق الأخرى الشعبية التي تميز كل منطقة من مناطق المملكة.

الإفطـــار

بعد "فكوك الريق" وصلاة المغرب، يرجع الناس ليتناولوا طعاماً خفيفاً مثل السلطة والشوربة والسمبوسة، ثم يتناولون الطعام الرئيس المعد للإفطار مثل أطباق الدجاج أو اللحم بالأرز، المندي، المظبي، الكبسة، البرياني، المدفون، المضغوط، المثلوثة وغيرها، بالإضافة إلى العصائر وأهمها الفيمتو وعصير الليمون بالنعناع أو بالزنجبيل وعصير البرتقال بالجزر وعصير الشمبانيا السعودي المشهور وغيرها. أهم ما يوضع على سفرة الإفطار هو خبز التميس المشهور. ثم يتوجهون لأداء صلاة العشاء والتراويح ويقومون بعدها بصلة الرحم والتزاور بين بعضهم وتناول الحلويات الرمضانية مثل القشدة والكنافة واللقيمات والعصيدة وغيرها.

الولائم

يتناوب أفراد العائلة السعودية على إعداد وليمة رمضانية لباقي أفراد العائلة. حيث يتناولون فطورهم معاً ويؤدون الصلاة والعبادة ويسهر معظمهم حتى السحور. ثم يتناولون سحورهم ويقرؤون القرآن ويصلّون الفجر معاً. ثم يذهبون ليرتاحوا استعداداً ليوم رمضاني جديد.

إفطار صائم وعمل الخير

يكثر عمل الخير في رمضان، مثل إقامة موائد إفطار بالقرب من المساجد، وتوزيع وجبات الإفطار الخفيفة عند إشارات المرور، وبعد اليوم السابع والعشرين من رمضان يبدأ الأهالي بتوزيع زكاة الفطر، وصدقاتهم على الفقراء ويستمرون في ذلك حتى قبيل صلاة العيد، ما يجعل شهر رمضان يتميز في المملكة بالألفة والعطاء والعطف على الفقراء. هذا وتنتشر خيام ومفارش إفطار صائم وهي من العادات المحببة للسعوديين في المملكة. يتم فرش الأرصفة والخيام والمساجد بالمأكولات والولائم للعامة من الفقراء وعمال الطرق والنظافة وغيرهم من الأجانب المقيمين بالمملكة بحيث تكون قريبة من أماكن عملهم وحتى لو لم يكونوا مسلمين فالكل يجلس ويتناول طعامه. حيث يتم توزيع مفارش للطعام قبل أذان المغرب بدقائق. ويأتي بعض الصائمين من السكان ويوزعون القهوة العربية والتمر والرطب والشاي بالزنجبيل والخبز واللبن والعصير وبعض الوجبات الخفيفة. عند الأذان يتناول الصائمون ما قُدم لهم، ثم يقومون لصلاة المغرب وبعدها يرجعون للعبادة وقراءة القرآن والصلاة وسماع الدروس الدينية حتى صلاة العشاء. ثم يصلون العشاء والتراويح جماعة، ويتوجهون إلى المطاعم والفنادق والمنازل ليتناولوا إفطارهم الرئيسي كاملاً. تكون صلاة التراويح في الحرمين الشريفين 20 ركعة، وفي بعض مساجد المملكة يصلون التراويح 8 ركعات، ويتم غالبا ختم القرآن الكريم في نهاية شهر رمضان.

"الدرعية".. موائد الإفطار من ساحات المزارع إلى المساجد

تتخذ العادات والتقاليد الرمضانية من الأماكن طابعاً خاصاً، تبقى أساساً لأهالي أي منطقة وإن تغيرت الأزمنة، وتطورت الطرق والأساليب، في مشهد يشابه إلى حد كبير ما يقوم به أهالي الدرعية حالياً من قطف التمور من نخيلها في باحات المساجد لتجهيز مائدة الإفطار، بعد أن كان أجدادهم يقطفونها من ساحات المزارع، التي تشتهر هذه المحافظة بكثرتها.
وتختلف محافظة الدرعية التي تقع شمال العاصمة الرياض، في الطرق المتبعة في شهر رمضان المبارك عن باقي المدن والمحافظات وسط نجد، إذ تشتهر المحافظة بتواجد المزارع الكثيفة على مد النظر، الأمر الذي أوجد عادات مختلفة نوعاً ما في طرق الإفطار والإمساك، حيث تشتهر هذه المحافظة بتواجد عدد كبير من المزارع، أضفى مزيداً من طابع العيش في المناطق الريفية على سكانها، مع احتلالها مركزاً تجارياَ مهماً يربط شرق المملكة بغربها، ومحطة توقف مهمة لزوار نجد من الناحية الغربية لها سابقاً.
ومن على أرض جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب شمال غرب الرياض، وجامع الإمام محمد بن سعود تبرز قصص وحكايات عمرها مئات السنين عن المواقف التي حدثت في شهر رمضان المبارك، وارتباط الدرعية التاريخي العريق كونها عاصمة الدولة السعودية الأولى.
وتروي أم عبدالله عن أجدادها، أنهم كانوا يقطفون ثمار الرطب عند نضوجها ويتناولونها مباشرة على موائد الإفطار، وذلك عند حلول ساعة الإفطار في شهر رمضان المبارك، مبينة أن تلك العادة انتقلت بدورها في الوقت الراهن من ساحات المزارع إلى باحات المساجد الكبيرة، حيث يجتمع ساكنو محافظة الدرعية عند حلول ساعة الإفطار.
وأضافت: إن عادات الصيام في شهر رمضان المبارك قديماً تختلف قليلاً عما هو حادث في باقي مناطق نجد، إذ إن تميز منطقة الدرعية بالعديد من المزارع أوجب عادات في الفطور تحديداً. وطبيعة الدرعية القديمة أدت إلى أن تكون المزارع المكان الذي يتم فيه تناول طعام الإفطار، نظراً لتواجد مزارع التمور التي تشكل النسبة العظمى من الثمار المقطوفة في شهر رمضان المبارك خصوصاً إذا كان موسم الصيف يسبق الشهر الفضيل.
وأشارت إلى أن أصحاب المزارع الذين يشكلون النسبة العظمى من السكان يفضلون بيع منتجاتهم في الصباح الباكر إلى وقت الظهيرة ومن ثم يخلدون إلى الراحة قليلاً نظراً لتعامد الشمس وذروة الحرارة، ثم بيع باقي المحصول اليومي إلى حين وقت الإفطار.
وبينت أن مدارس تحفيظ القرآن "الكتاتيب" سابقاً تشكل محطة عبور يومية لدى سكان الدرعية، إذ يحث كبار السن أبناءهم على الحرص على قضاء أوقات فراغهم.
وقد أعدّ جامع الإمام محمد بن سعود في الدرعية لاستخدامه كمصلى فيما أعادت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تشييد الجامع الثاني بالدرعية للشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي يرجع تاريخ إنشائه إلى فترة الدولة السعودية الأولى بين عامي 1157 و1233هـ، واكتسب شهرته بتدريس العلوم الدينية التي كان يلقيها الشيخ محمد بن عبدالوهاب، حيث كان الطلاب يتوافدون إليه طلباً للعلم من كل من الرياض والعيينة وحريملاء وعرقة. وقد أخذ مشروع الجامع طابع العمارة التقليدية في الدرعية القديمة، حيث احتوى على مصلى داخلي، وسرحة خارجية، وخلوة، واستحدثت إلى جواره مسقاة للوضوء، ومسطحات خضراء مطلة على وادي حنيفة، يرتادها الزوار والمتنزهون من أهالي الحي وسكان المحافظة.

صدقة الفطر والبازارات

يبدأ السعوديون بتوزيع صدقة الفطر بعد السابع والعشرين من رمضان على الفقراء والمحتاجين ويستمرون في ذلك حتى قبيل صلاة العيد. وتنتشر البازارات الخيرية في الرياض التي يتم فيها بيع بعض المأكولات، الملابس، الإكسسوارات، العطور، التحف وغيرها، بحيث يعود ريعها للجمعيات الخيرية والفقراء.

وفي الرياض إخوة عرب

وفي الرياض إخوة عرب يصومون ويحافظون على عادات بلدانهم وحول الفارق بين العادات الرمضانية في مصر ومثيلاتها في السعودية ترى أم وليد أن الفارق ليس كبيراً، حيث إن العادات المرتبطة بالدين من قيام الليل والتصدق وغيرهما في البلدين لهما نفس السمة من إقبال الناس عليهما، ولكن يظهر الفارق في بعض المأكولات والمشروبات الشعبية المتباينة بين البلدين، وكذلك تقديم موعد السحور في السعودية وتأخير الإفطار إلى ما بعد صلاة التراويح، معتبرة ذلك من العادات والتقاليد المميزة في المملكة.
من جانبها قالت المقيمة السودانية فوزية عبداللطيف يُعد شهر رمضان من أجمل الشهور وعادات السودانيين في دول الاغتراب، ومنها المملكة العربية السعودية، لا تختلف كثيراً عن السودان، فالسُّفرة السودانية لا تخلو من الأكلات الشعبية السودانية، مع تداخل بعض الأكلات السعودية بحكم الاختلاط الثقافي، كما تُحاول الأسر أن تجتمع بأكبر عدد ممكن للإفطار سوياً.