الخميس 28 آذار/مارس 2024

أ. د. دلال بنت مخلد الحربي

في تاريخ العرب الحديث والمعاصر تمرّ صفحات تحمل أحداثاً جساماً لشعوب ومناطق عربية، ناتجها تشكل دول وسقوط أخريات، واندماج أقاليم أو انفصالها بما يغير من أشكال الخرائط السياسية في الفترة الزمنية المعنية بالحدث، وتبقى أحداث تكوين المملكة العربية السعودية مثيرة وذات دلالات على ما يمكن أن يفعله الطموح وما يؤدي إليه من إيجابيات،

ومن ثم تصبح الصورة محفزة ومستحقة لكثير من التأمل والتفكر والتدبر.
هي قصة وطن بدأ من أقاليم مستقلة وانتهى إلى دولة واحدة موحدة، وكان اسم كل إقليم هو المستخدم والشائع للإشارة إلى الإمارة أو السلطنة الموجودة فيها.
ويعد مسمى السلطنة النجدية أول اسم رسمي للدولة التي بدأ عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في تأسيسها في عام 1319هـ/ 1902م باستعادة الرياض من آل رشيد حكام إمارة حائل ومنذ ذلك التاريخ قادت الرياض مدن نجد الأخرى إلى الدولة فلم يأتِ عام 1339هـ/ 1920م حتى احتفلت الرياض رسمياً بكونها عاصمة لدولة هي سلطنة نجد وملحقاتها، وفرحة الرياض حملها الاسم الرسمي للدولة الذي أعطى البلاد كياناً دولياً ورفع من هيبتها.
إذاً أصبحت الرياض عاصمة السلطنة النجدية وهي الامتداد الكبير، أما الملحقات فقد كانت الإحساء وعسير بعد ذلك.
وتشكل اسم الدولة وبدئ بكتابة الاسم على ترويسة الخطابات الموجهة من السلطان عبدالعزيز (وهذا هو لقبه) إلى كل من يعملون معه وإلى الدول التي يتعامل معها كما وشحت طوابع بريدية عثمانية بـ "بريد السلطنة النجدية".
وبعد مضي خمس سنوات ضم الحجاز نهائياً إلى الدولة الناشئة في عام 1344هـ/ 1925م وشرع في تنظيم شؤون الدولة بعد أن توحدت مناطقها.
وحتى نهاية عام 1350هـ/ 1932م وجزء من عام 1351هـ/ 1932م ظلت الدولة تحمل مسميات مختلفة وتداخل استخدامها من سنة إلى أخرى، دون الاستقرار على استخدام موحد لاسمها، فقد كان يطبع على الأوراق الرسمية ترويسات بمسميات مختلفة، وكان على النحو الآتي:
1- الدولة العربية الحجازية، الذي استمر استخدامه إلى عام 1348هـ /1929م على أوراق مجلس الشورى والنيابة العامة ومصلحة الصحة العامة والإسعاف.
2- المملكة العربية الحجازية في عام 1345هـ/ 1927م وعام 1346هـ/ 1928م على أوراق مصلحة الصحة العامة والإسعاف.
3- الحكومة الحجازية في عام 1345هـ/ 1927م في خطاب مرفوع إلى النيابة العامة.
4- الحكومة العربية الحجازية في الأعوام من 1345هـ- 1349هـ/ 1927م- 1930م على أوراق مديرية الشرطة العاصمة والنيابة العامة ومجلس الشورى.
5- المملكة الحجازية والنجدية في عام 1347هـ/ 1929م على أوراق إدارة البرقيات.
6- الحكومة العربية على طوابع الدمغة.
7- مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها في عام 1348هـ/1929م، وعام 1350هـ/ 1931م على أوراق المجلس العسكري بمكة المكرمة، ورئاسة الديوان.
8- المملكة الحجازية والنجدية وملحقاتها في عام 1348هـ/ 1929م وعام 1351هـ/ 1932م على أوراق إدارة البرقيات (1348هـ/1929م)، ورخص الطلوع إلى البحر (1351هـ/ 1932م).
ومع اختلاف مسمى الدولة ظلت الإشارة إلى الملك عبدالعزيز باعتباره ملكاً للحجاز ونجد وملحقاتها، ودفع عدم الاستقرار على اسم محدد، وطول المسميات التي استخدمت، والاقتصار في معظمها على إقليمين من أقاليم الدولة هما الحجاز ونجد إلى التفكير في وجوب إطلاق اسم رسمي موحد للدولة ويعد الاسم الرسمي للدولة من الأمور المهمة التي يعنى بها المؤسسون عادة لأنه يعبر عن فحوى التكوين.
وهو ما تم الأخذ به في عام 1351هـ/1932م، عندما صدر أمر ملكي بإطلاق اسم "المملكة العربية السعودية" على الدولة، ونظراً لأهمية هذا القرار أورد نصه فيما يأتي:
"بعد الاعتماد على الله وبناءً على ما رفع من البرقيات من كافة رعايانا في مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها ونزولاً على رغبة الرأي العام في بلادنا، وحباً في توحيد أجزاء هذه المملكة العربية أمرنا بما هو آت:
- المادة الأولى: يحول اسم "المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها" إلى اسم "المملكة العربية السعودية"، ويصبح لقبنا بعد الآن "ملك المملكة العربية السعودية".
- المادة الثانية: يجري مفعول هذا التحويل اعتباراً من تاريخ إعلانه.
- المادة الثالثة: لا يكون لهذا التحويل أي تأثير على المعاهدات والاتفاقيات والالتزامات الدولية التي تبقى على قيمتها ومفعولها، وكذلك لا يكون له تأثير على المقاولات والعقود الإفرادية بل تظل نافذة.
- المادة الرابعة: سائر النظامات والتعليمات والأوامر السابقة والصادرة من قبلنا تظل نافذة مفعول بعد هذا التحويل.
- المادة الخامسة: تظل تشكيلات حكومتنا الحاضرة سواء في الحجاز ونجد وملحقاتها على حالها الحاضر مؤقتاً إلى أن يتم رفع تشكيلات جديدة للمملكة كلها على أساس التوحيد الجديد.
- المادة السادسة: على مجلس وكلائنا الحالي أن يضم إلى أعضاء مجلس الوكلاء أي فرد من أفراد ذوي الرأي حين وضع الأنظمة السالفة الذكر للاستفادة من آرائهم والاستنارة بمعلوماتهم.
- المادة الثامنة: أننا نختار يوم الخميس الواقع في 21 جمادى الأولى سنة 1351هـ الموافق لليوم الأول من الميزان يوماً لإعلان توحيد هذه المملكة العربية، ونسأل الله التوفيق.
صدر في قصرنا في الرياض هذا اليوم السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1351هـ.
التوقيع عبدالعزيز بأمر جلالة الملك
نائب جلالته
فيصل"*

مما سبق يتبين أن مسمى المملكة العربية السعودية تم التوصل إليه بعد مرور سبع سنوات على توحيد المملكة وتأسيسها، ولعل ذلك يرجع إلى أن مؤسس الدولة الملك عبدالعزيز كان حريصاً على اختيار الاسم ليكون دلالة توحيد ستة كيانات مستقلة في الوسط والشمال والشرق والغرب والجنوب وهي: إمارة آل سعود في الرياض وإمارة آل رشيد في حائل، وإمارة آل عائض في عسير، وإمارة الأدارسة في المخلاف السليماني (جازان) وإمارة الأشراف في الحجاز، وحامية عثمانية في الأحساء. وهكذا اندمجت هذه الأقاليم الستة التي لو بقيت على حالها لكانت اليوم كيانات تضاف إلى الكيانات المشتتة في العالم العربي.
وتاريخ 22 جمادى الأولى 1351هـ/ 23 سبتمبر 1932م الذي شهد ميلاد مسمى الوطن، وأذن بشعور جديد بالاندماج في الدولة لجميع الأقاليم التي تشكلت منها المملكة العربية السعودية، شهد أيضاً اتخاذ الرياض عاصمة للدولة بمسماها الجديد، وكما يقول وليام فيسي في كتابه الرياض: المدينة القديمة (ص 425 وما بعدها): "أصبحت الرياض عاصمة للمملكة الحديثة... وتسارعت فيها التوجهات... وبدئ بإنشاء الإدارة الحكومية لأن أعمال الدولة أخذت تتعقد وأصبحت جسيمة... وأخذت عاصمة الصحراء تكيف نفسها بشكل متزايد لمهام الإدارة الحديثة".
العزم والطموح وأهمية الوحدة هم وسائل عبدالعزيز بن عبدالرحمن لتكوين الوطن، الوطن الذي احتمى والتف حوله الجميع برايته الخضراء وشعارها "لا إله إلا الله محمد رسول الله" معلناً أنه المملكة العربية السعودية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أمر ملكي، تحويل اسم "مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها" إلى اسم "المملكة العربية السعودية"، أم القرى، س9، ع 406 (الجمعة 22 جمادى الأولى 1351هـ/ 23 سبتمبر 1932م)، ص1.