هيثم السيد

"عين رأت"، مجموعة فنية عرفها المشهد الثقافي منذ سنوات من خلال مجموعة من المعارض والمشاركات، وقد استطاعت في فترة وجيزة أن تصنع حضوراً يوازي إن لم يتفوق على بعض الجهات المتخصصة في مجال الفنون، وذلك من خلال اعتمادها على منهجية تنظيمية تتيح المجال للمواهب لعرض أعمال تتسم بطابع تجديدي وعصري، وتوفر درجة أعلى من الجذب والتفاعلية مع المهتمين والمتلقين عموماً. هنا نسلط الضوء أكثر على هذه التجربة،

من خلال استضافة الفنانة أسماء الدخيل وهي المدير العام لمجموعة "عين رأت"، وشريكتها في المجموعة الفنانة شريفة السديري.

نظرة للاختلاف وأخرى للشباب

تروي الفنانة أسماء الدخيل عن انطلاقة "عين رأت" التي كانت برغبة من مجموعة فنانات في إيجاد مساحة حرة للارتقاء بالفن إجمالاً، وذلك من خلال الانفتاح على تقديم أعمال وتجارب متنوعة يكون التجديد الإبداعي هو العنصر الأساسي فيها بغض النظر عن التصنيفات أو المدارس الفنية التي يمكن أن ينتمي لها. وتضيف: "ما نعمل على تقديمه بشكل مختلف، هو إيماننا أن الفن له شخصيته ولكن لا شكل محدد له، فهو مفهوم يمكن أن يعيش ويتجلى في يوميات الناس وتفاصيل حياتهم، وحين نقول "عين رأت" فأحد معانيها أن مساحة الإبصار على اتساع نطاقها قابلة دائماً أن ترى ما هو جميل وخلاق". بدورها ذكرت الفنانة شريفة السديري أن أحد أهم مرتكزات هذا المشروع التواصل مع التجارب الجديدة والشابة في الفنون البصرية، ومحاولة التغيير حتى في أساليب تنظيم الفعاليات والمشاركة في المعارض، مع الابتعاد عن أي قناعات مسبقة مع أي مقترح فني أو إبداعي، وتؤكد ضرورة خوض التحدي الذاتي في الخروج دوماً عن نص الأعمال التقليدية وصولاً إلى مساحات تثير أسئلة المتلقي وتعيد صياغة مفاهيمه حول الفن التشكيلي أو التصوير أو غيرها من الفنون.

جمهور الفنون لا ينشغل عنها

رغم ازدياد الحديث عن انحسار جماهيرية المناسبات الفنية، إلا أن هذا لا يمثل داعياً لقلق الفنانة أسماء الدخيل التي تؤكد ثقة الجمهور بما تقدمه مجموعة "عين رأت"، وتعتبر أن هذه الثقة لا تأتي إلا من خلال تقديم أعمال تحترم هذا الجمهور وترضي ذائقته، ورغم إدراكها لأهمية العمل على توسيع الإقبال ولكنها لا تحب أن تنظر لقلة الحضور على أنه مشكلة، لا سيما بالنسبة للمنتج الثقافي والفني الذي تصفه بامتلاك خصوصية نوعية تجعله يتوجه إلى أشخاص بمستويات واهتمامات معينة، دون أن يلغي هذا كونه منتجاً يقدم نفسه مبدئياً لكل الأشخاص. أما في ما يتعلق بمعطيات التلقي الجديدة فلا ترى الدخيل فيها عاملاً لتحجيم الحضور إلى الفعاليات الفنية، وإنما تراها على العكس تماماً من حيث إتاحتها مجالاً أكبر للتعرف على مزيد من المهتمين، ولخلق فرص متعددة للتواصل والتفاعل معهم، مضيفة: "نحن في "عين رأت" نعتبر أن الوسائل الحديثة رهان حقيقي بالنسبة لنا، فقد كشفت لنا عن اتجاه واسع بين الشباب والشابات الذين يملكون اطلاعاً جيداً وثقافة عالية في هذا المجال، بل إن للعديد منهم مشروعات فنية وإبداعية في مجالات الرسم والفن التشكيلي والرقمي والتصوير الضوئي والخط العربي وغيرها، وقد استقطبنا في معارضنا عدداً من المواهب والتجارب المميزة". عُرف عن "عين رأت" وجودها في بعض المناسبات والمعارض التي لا تتجه مباشرة نحو المجال التشكيلي، وهو توجه تشرحه الفنانة شريفة السديري بقولها: "نؤمن أن للفن قنوات لا حصر لها، فهو موجود في كل شيء يمكن أن تراه العين، مثلاً كانت لنا مشاركة في معرض التراث العمراني خصصناها لعرض الصور واللوحات التي تجسد الفن في هذا الجانب". وتوضح السديري أن المشاركات من هذا النوع تعبر عن تكامل ما تقوم به المجموعة مع مجالات مختلفة، بجانب استهداف ومخاطبة شرائح من الجمهور الجديد من غير المتخصصين مباشرة في الفنون، حيث ترى أن وجود معرض فني في مناسبة متخصصة بمجال آخر قد يمثل بالنسبة له فرصة جيدة جداً، وهذا ما تم لمسه بالفعل من بعض الزوار. وتضيف "الأمر الآخر، يجب أن لا نغفل وجود علاقة فعلية بين الفنون البصرية ومجالات كثيرة أخرى، كالسياحة والهندسة والثقافة والتصميم والديكور وغيرها، وبالتالي يكون وجود المجموعة عنصراً مكملاً للرؤية التي يقوم عليها المعرض أو المناسبة".

نشاط خيري يدعم الإنسان بالفن

تشير الفنانة أسماء الدخيل إلى ما يمكن أن يقدمه الفن من خدمة للسلام والمحبة وتهذيب النفوس، حيث لديها اعتقاد راسخ بأن العين التي رأت الجمال والإبداع، هي نفسها التي يجدر بها أن ترى كذلك احتياج مجتمعها وتكون في خدمته، كما تشدد على أن الفن معني كذلك بتجاوز مفهومه النظري إلى لعب أدوار مؤثرة وتقديم فوائد ملموسة للناس، معتبرة أن هذا كان أحد دوافعهن في المجموعة لجعل المسؤولية الاجتماعية في مقدمة الأولويات بوصفها جزءاً من رسالة المجموعة، إيماناً بأن المشاركات الخيرية توظف في الفن جزءاً إنسانياً يمكنه تغيير نظرة المجتمع للفن باتجاه الأفضل. وتضيف الدخيل: "بما أن الأعمال الفنية هي المورد والمصدر في الوقت نفسه بالنسبة لنا في "عين رأت" فقد خصصنا بعض المعارض بالفعل لدعم جمعيات خيرية من خلال ريع اللوحات المبيعة، وقد كانت تلك التجارب ناجحة ولله الحمد ونعمل على الاستمرار فيها كجزء رئيس من عملنا وأهدافنا باتجاه أن نكون من المشاريع الرائدة في دعم الفنون".

شراكة مع المجتمع واعتزاز بالهوية

في حديثها عن الجديد في مسيرة "عين رأت" تخبرنا الفنانة شريفة السديري عن مجموعة من المشروعات المشتركة التي ستقام خلال الفترة المقبلة وتعد بما هو مبدع ولافت لكل محب للفن، وتضيف: "نتمتع بعلاقة جيدة مع جميع الجهات، ولدينا اتفاقيات تعاون كما أننا على استعداد لإيجاد صيغ التعاون مع أي مؤسسة تملك توجهاً يتوازى أو يتقاطع مع عملنا، فكل نشاط يرتقي بالإبداع نعتبره يمثلنا ويعبر عنا، لأن الهدف واحد في نهاية المطاف، كما أن الفن قيمة ترتقي بالإنسان، وهي تستحق أن تستثمر على نطاق أوسع وأن لا تقتصر مسؤولية النهوض بها على جهة بعينها". وتحدثت السديري عن تجارب سابقة لمجموعة "عين رأت" في الالتقاء المباشر مع الجمهور في مراكز تجارية ومناسبات اجتماعية مختلفة، وذلك في إطار تعزيز انتمائها لبيئتها وهويتها الثقافية، وكذلك تغيير الصورة النمطية عن فعاليات الفنون التي تتم أحياناً بمعزل عن عامة الناس. من ناحيتها تقول الفنانة أسماء الدخيل إن أهمية وتأثير هذا المشروع، وغيره من المشاريع الثقافية والإبداعية، مرتبطة بشكل وثيق مع تكامل دور الأطراف جميعها من الجهات الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص، وذلك من أجل تحويل هذه المناشط إلى فرص تحتفي بمنجز المبدعين في المجال الفني، كما تستثمر قدرات الموهوبين فيه، بالإضافة إلى كونها تقدم الإضافة المتجددة إلى الزائر والمتلقي العادي. وتضيف: "في الفترة المقبلة، سنعمل على إضفاء مزيد من المؤسسية على عمل المجموعة ووضع الأسس لتطوير فعالياتها وتنويع شريحة مشاركاتها ومتابعيها ومستهدفيها، فنحن ندرك أن حب الفن دافع مهم في المشاريع من هذا النوع ولكنه ليس المحرك الوحيد فيها، لأن الأمر يتعلق كذلك بجوانب تنظيمية وإدارية وإستراتيجية، هي التي تكفل الاستمرارية والنجاح".

{gallery}art_540{/gallery}