يظل التاريخ حياً إذا تم الاعتناء بتفاصيله، ويندثر إذا تم تجاهله.. فالتاريخ ليس حروفاً مدونة في الكتب، بل قائم يتنفسه الناس في مواقع التراث العمراني التي تحكي عن عظمة الآباء والأجداد الذين تركوا لنا إرثاً حضارياً يمثل تجاربهم في حياتهم اليومية. هذا الإرث الحضاري أصبح
وجهة سياحية محببة لأغلب الناس، كما أصبح مقياساً لحضارة الأمم وتقدمها، كما بات أيضاً مورداً مالياً للخزينة العامة والمستثمرين، إذ تشير التقديرات إلى أن التراث العمراني يشكل ما نسبته 37% من موارد السياحة العالمية.المملكة إحدى الدول الغنية بتراثها العمراني والتي واكبت التوجهات العالمية نحو توطينه والمحافظة عليه والاهتمام به، وذلك عبر مبادرات الهيئة العامة للسياحة الآثار التي قطعت شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه من خلال العديد من البرامج والمشروعات التي يستعرضها هذا التقرير.
عالمياً أصبحت الدول تُعنى بتراثها العمراني، وتستغله للترويج لتاريخها وحضارتها، فضلاً عن الاستفادة من هذه المواقع اقتصادياً واجتماعياً، وثقافياً داخل محيطها وخارجه بالترويج لهذه المواقع بجعلها مقصداً سياحياً، ووجهة للاطلاع على التاريخ. التراث العمراني في المملكة يحمل دلالات وخصائص نادرة، وقيماً فاعلة اقتصادياً للدولة في حال استثمارها. هيئة السياحة والآثار كشفت مؤخراً عن أكثر من 2000 موقع، وتشير دراساتها الأولية إلى أن حوالى 800 موقع قابلة للاستثمار لكي تصبح وجهة سياحية، ومشروعات استثمارية تضخ أموالاً. كما تشير بعض الدراسات إلى أن المواقع التراثية المبنية تزيد على عشرة آلاف موقع موثق في مختلف مناطق المملكة تعود إلى ما قبل التاريخ حتى نهاية العصور الإسلامية. واجتماعياً يساهم تأهيل هذه المواقع في بقاء السكان في مواقعهم، وتعاونهم سوياً من أجل تطوير منطقتهم والاستفادة من الفرصة الوظيفية والاستثمارية المتاحة. كما يزداد ارتباط المجتمع المحلي بقراهم، وسعيهم إلى إبراز تراثهم وعاداتهم وتقاليدهم لزوار المنطقة. وثقافياً بقاء السكان في مناطقهم يساهم في الحفاظ على هويتهم الحضارية، وثقافاتهم الموروثة.
المملكة غنية بمواقع التراث العمراني التي تنوعت فيها الطرز المعمارية، حيث كشف هذا التنوع القدرات التي وصل إليها الإنسان في ذلك الزمان ومدى تغلبه على بيئته والاستفادة من المواد المحلية وتسخيرها في خدمة نفسه. التجول في المواقع التراثية يثير لدى الزائر الدهشة والرغبة الجامحة في معرفة تفاصيل حياة سكان هذه المناطق، وذلك بناء على ما خلفوه من مبانٍ ساحرة ومميزة في تفاصيلها الدقيقة، والنواحي الجمالية التي تعبر عن ذائقة السكان. المواقع التراثية التي تعكس حضارة المملكة وتاريخها، تعد الأكثر جاذبية لعشاق التراث المعماري، فقد تم حصرها في 18 موقعاً في مختلف مناطق المملكة، يحكي كل موقع عراقة وخصائص أهل المنطقة. أهم هذه المواقع: الدرعية التاريخية التي تقع شمال غرب العاصمة الرياض، وهي مدينة تاريخية عريقة يرجع تاريخها إلى منتصف القرن التاسع الهجري. وأشهر أحياء هذه المدينة العريقة هو حي الطريف الذي كان مقر الأسرة الحاكمة. وليس ببعيد عن الدرعية يظل قصر المربع أحد أهم المواقع التراثية في الرياض، حيث شيده الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - عام 1351هـ، وتم بناؤه بالنمط المحلي الذي يعتمد على الطين واللبن وجذوع النخيل والأثل. وفي المنطقة الغربية هناك العديد من مواقع التراث العمراني التي تتميز بالطابع الإسلامي والحجازي، كقصر شبرا في الطائف الذي بُني عام 1325هـ، ويعد من أهم القصور التاريخية المميزة بعناصرها المعمارية، وفي ذات المنطقة يأتي قصر السقاف في مكة المكرمة، ويحمل هذه الصرح الطابع المعماري الإسلامي لاحتوائه على كثير من العناصر الفنية والزخرفية الإسلامية. مدينة جدة غنية بمواقع التراث العمراني، وذلك لانفتاحها على العالم عبر البحر، لذلك تعد أكثر المدن السعودية تنوعاً في العناصر المعمارية لمواقعها التراثية التي يأتي في مقدمتها قصر خزام الذي بُني عام 1351هـ من الحجر الجيري الصلب الذي جلب من ساحل البحر الأحمر. كذلك هناك بيت نصيف الذي يقع في قلب جدة القديمة، حيث بُني في عام 1289هـ، يتميز البيت بواجهات خارجية مزخرفة، ورواشين، زخارف جصية، ويعد من نماذج العمارة المميزة. وفي ذات المنطقة هناك قرية العصداء التي يمكن الوصول إليها عن طريق المخواة – مكة المكرمة. وتتكون القرية من بيوت كثيرة ومقبرتين، الأولى بعض شواهدها مكتوبة بالخط الكوفي البسيط الغائر الذي يعود إلى العصر الإسلامي المبكر. أما المقبرة الثانية تحمل بعض مدافنها شواهد قبور مكتوبة بالخط الكوفي البارز المورق الذي يعود إلى القرنين الثالث والرابع للهجرة . وفي أقصى شمال المملكة هناك مدينة العلا التي تعد من أهم المناطق الحضارية لوقوعها على طريق التجارة الذي يربط الهند، وجنوب شبه الجزيرة العربية جنوباً، والشام ومصر والعراق شمالاً. وتحتضن العلا آثار مدينة الحجر التي يوجد بها مباني قوم صالح الذين اتخذوا من الجبال بيوتاً، بالإضافة إلى عدد من النقوش القديمة، وقلعة قمة جبل موسى بن نصير القائد الإسلامي الشهير. وهناك أيضاً كاف الجوف، وجبل الصيعري، وقرية أم الأجراس، والحديثة. وعند التجول في المنطقة الوسطى وبالتحديد في منطقة القصيم هناك "سوق المجلس التراثي" الذي حاز جائزة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان في الحفاظ على التراث العمراني، وهو أحد مكونات البلدة القديمة بالمذنب. تحتوي على أكثر من (384) منزلاً بأحجام مختلفة ويكوّن سوق المجلس، والجامع (مسجد قصر باهلة) نقطة بداية للحي ومركزه الرئيس. وفي ذات المنطقة هناك قصر الإمارة القديمة في محافظة الرس الذي يعد علامة فارقة في العمارة التراثية، حيث بُني قبل أكثر من مئة عام، ومازال صامداً رغم أنه شُيّد من الطين واللبن وسقف بالجريد وخشب الأثل. وبالاتجاه جنوب غرب المملكة تعد منطقة نجران من أهم المناطق تميزاً بالعمارة التقليدية، حيث تعد بيوت وقصور هذه المنطقة من أروع نماذج العمارة التي تشد الأنظار بعناصرها المعمارية المميزة، كذلك طرازها الفريد. الذي يبرز في قصر الإمارة في "أبا سعود" كشاهد حي على جمال وروعة الفن المعماري في المنطقة. أما في الشمال الغربي من المملكة وبالتحديد مدينة حائل الشهيرة بشهرة ابنها حاتم الطائي الذي عرف بالكرم، تمثل قلعة أعيرف التي بينت في قمة جبل أقدم المباني الأثرية في المدينة، وتمثل المباني التقليدية في حائل.
غنى المملكة بتراث عمراني أصيل يعكس جوانب حضارية من تاريخها، دفع هيئة السياحة والآثار إلى المبادرة إلى حماية هذا التراث في مختلف مناطق ومحافظات المملكة، التي يتناغم تراثها المعماري القديم مع الحديث. هيئة السياحة أطلقت مبادرتين لحفظ هذا الإرث الحضاري الذي يقف بجانب أبرز الحضارات في العالم. فالأولى تحمل ثمانية برامج موجهة لحماية التراث من خلال: إيقاف الإزالة العشوائية لمباني التراث العمراني، وإعداد نظم لحماية التراث العمراني والمحافظة عليه وتنميته، وحصر مواقع التراث العمراني القابلة للتنمية السياحية، وتصنيف وتسجيل التراث العمراني الوطني، وتنظيم برنامج استطلاع التجارب العالمية المميزة في مجال المحافظة على التراث العمراني، وعقد الندوات والمؤتمرات واتفاقيات التعاون في مجال حماية التراث، وإعداد المواثيق مع الدول العربية والإسلامية حول التراث العمراني. فيما تعنى المبادرة الثانية بتأهيل وتنمية مواقع التراث العمراني، وتتضمن هذه المبادرة سبعة برامج تتمثل في: برنامج القرى التراثية، برنامج تحسين مراكز المدن التاريخية، برنامج تأهيل وتطوير الأسواق الشعبية، برنامج تأهيل المباني التاريخية للدولة في عهد الملك عبدالعزيز، برنامج تأهيل التراث العمراني في موانئ البحر الأحمر، برنامج تأهيل واستثمار مباني التراث العمراني المميزة والمملوكة للمواطنين، وتأسيس شركة لاستثمار مباني التراث العمراني المملوكة للدولة.
يمثل مشروع الملك عبدالله للعناية بالتراث الحضاري إضافة جديدة للجهود الأخرى في العناية بالتراث الحضاري، والارتقاء بالموروث الثقافي، وستتمخض عن مشروعاته مجموعة متنوعة وكبيرة من الوجهات السياحية التراثية النابضة بالحياة، والمحببة لهواة وعشاق المواقع التراثية التي لا تخلو منها منطقة أو محافظة سعودية. المشروع يتضمن 7 برامج تحتوي على عشرات المشروعات التي ستنفذ خلال الأعوام المقبلة، وتنقسم هذه البرامج إلى أربع مبادرات هي: مشروعات الآثار والمتاحف، ومشروعات التراث العمراني، ومشروعات الحرف والصناعات اليدوية، ومشروعات التوعية والتعريف بالتراث الوطني، ومن المتوقع أن يصبح المشروع مورداً اقتصادياً متجدداً، وسينتج عنه زيادة عدد فرص العمل للمواطنين في جميع مناطق المملكة. ويهدف المشروع إلى تحقيق حزمة من الأهداف تتمثل في حماية الآثار والمحافظة عليها والمشاركة بها في معارض محلية ودولية، واستعادة ما نقل منها إلى الخارج، في ظل جهود هيئة السياحة التي تكللت باستعادة (140) ألف قطعة أثرية وتراثية، وتهيئة وتأهيل المواقع الأثرية والطرق التاريخية وتوظيفها في التنمية الشاملة، وإنشاء وتطوير المتاحف في المناطق والمحافظات وتشغيلها. كما يهدف المشروع إلى تأهيل وتشغيل المباني والقصور التاريخية للدولة في عهد الملك عبدالعزيز - يرحمه الله -، وتنمية القرى التراثية ومراكز المدن التاريخية والأسواق الشعبية، والمحافظة على مباني التراث العمراني، وتنمية وتطوير الحرف والصناعات اليدوية. برامج المشروع السبعة تتضمن عدداً من البرامج المهمة، في مقدمتها، برنامج حماية الآثار والمحافظة عليها وتوثيقها، الذي يعمل على توفير الأجهزة والآليات اللازمة لمراقبي الآثار، وحراسة المواقع المفتوحة والزوار والمتاحف، وتسوير المواقع الأثرية وصيانة الأسوار القائمة، وتبتير المواقع الأثرية، واستعادة الآثار الوطنية التي نقلت إلى الخارج بطرق غير مشروعة، وشراء القطع الأثرية والتراثية، والتوعية والتعريف بالآثار والمتاحف والتراث العمراني، وترميم وصيانة المباني الأثرية المهمة، وتسجيل الآثار وتوثيقها. ويركز البرنامج الثاني من المشروع على البحث والتنقيب عن الآثار، والنشر العلمي، فيما يتضمن البرنامج الثالث الخاص بتهيئة المواقع الأثرية والطرق التاريخية، تهيئة وتأهيل (40) موقعاً أثرياً وفتحها للزوار، وتهيئة المواقع المرتبطة بالتاريخ الإسلامي في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة (موقع غزوة أحد، الخندق، بدر، الحديبية، مسجد البيعة، قصور عروة، قلعة قباء)، وتهيئة وتأهيل ست طرق تاريخية (طريق الهجرة، طريق توحيد المملكة، درب زبيدة، طريق الحج الشامي، طريق الحج المصري، طريق الحج اليمني)، وتشمل التهيئة تأهيل محطات الطرق الرئيسية بواقع خمس محطات في كل طريق مع إنشاء مراكز الزوار فيها. كذلك يركز المشروع على إنشاء متحف واحة القرآن الكريم بالمدينة المنورة، وتنفيذ عروض متحفية في (20) مبنى تاريخياً في المحافظات، وتشغيل وصيانة المتاحف في جميع مناطق المملكة، وتنفيذ معارض الآثار. فضلاً على تأهيل قصور الدولة في عهد الملك عبدالعزيز – رحمه الله- . ويأتي ضمن التوجهات العامة لمشروع الملك عبدالله بن عبد العزيز – رحمه الله - تصنيف وتسجيل مباني التراث العمراني وإعداد مخططات الحماية لها، ونزع ملكية مواقع الآثار والتراث، والتصوير الجوي والتوثيق لمباني التراث العمراني الوطني، وتنفيذ الأعمال الإنقاذية ومعالجة وضع المباني الآيلة للسقوط، وإقامة معارض التراث العمراني، وتنمية التراث العمراني في الموانئ التاريخية لشمال البحر الأحمر (ينبع، وأملج، والوجه، وضبا). ولعشاق القرى والمواقع التراثية سيتم تأهيلها وتنميتها، ومن أبرزها: قرية ذي عين التراثية، وقرية رجال ألمع التراثية، وبلدة الغاط التراثية، وبلدة جبة التراثية، وبلدة العلا التراثية، وبلدة المذنب التراثية، وحي الدرع بدومة الجندل، وبيت نصيف بجدة، وبيوت الرفاعي بفرسان.
جائزة للحفاظ على الهوية
خطى حثيثة للحفاظ على الهوية الحضارية، حراك في كل الاتجاهات، اهتمام يسعى لإبراز حضارة المملكة. كل هذه الجهود التي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، والحماسة نتج عنها إعلان سموه في عام 2005م عن جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني حيث أطلقت من مؤسسة التراث الخيرية التي أسسها سموه ويرأسها. تهدف هذه الجائزة إلى الإسهام في ترسيخ الوعي الوطني بأهمية هذا التراث، وتشجيع الباحثين والمعماريين على استلهامه في بحوثهم ومشروعاتهم، حتى ينهض بهذا الإرث الحضاري الكبير، ليصبح شامخاً أمام الجميع، كذلك تسعى الجائزة إلى ربط طلاب كليات العمارة والتخطيط بين الطرز المعمارية القديمة والحديثة. توجهات الجائزة لم تنحصر داخلياً بل انفتحت على مجلس التعاون الخليجي لتستهدف المواهب المعمارية في جامعتها. ما أكسبها مكانة كبيرة على المستوى الوطني والعربي والإقليمي والدولي. كما تهدف الجائزة إلى إيجاد وعي مجتمعي بمفهوم العناية بالتراث العمراني المحلي والحفاظ عليه وتطويره، وتشجيع التعامل معه بوصفه منطلقاً لعمران مستقبلي أفضل ينبع من ثوابت العمران القديم الأصيل، سواء داخلياً أو خارجياً. تمنح الجائزة لعدد من المشروعات التراثية وتضم سبعة فروع، هي: جائزة الإنجاز مدى الحياة تمنح لمن يقدمون أعمالاً جليلة للمحافظة على التراث العمراني، كما يمكن أن تمنح للأشخاص أو المؤسسات أو الشركات. وهناك أيضاً جائزة العناية بالمساجد التاريخية، جائزة الحفاظ على التراث العمراني، جائزة مشروع التراث العمراني. وحملت فروع الجائزة بعداً إنسانياً، يتمثل في المشروعات التي تستهدف احتياجات الإنسان ومتطلباته، وتمنح للمؤسسات أو الهيئات الحكومية أو الشركات. أيضاً هناك جائزة المشروع الاقتصادي التراثي، وجائزة بحوث التراث العمراني، وجائزة طلاب كليات العمارة والتخطيط. وتقديراً لجهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - في العناية بالتراث نال - حفظه الله – جائزة الإنجاز مدى الحياة جهوده العظيمة –يحفظه الله_ من أجل الحفاظ على التراث داخل المملكة وخارجها. وتتواصل جهود سمو رئيس هيئة السياحة والآثار للعناية بالتراث، حيث كانت مبادرة علمية "كرسي الأمير سلطان للتراث العمراني بجامعة الملك سعود". وللكرسي رؤية تتمثل في تعزيز مكانة التراث العمراني في المجتمع، بما يساعد على التواصل الحضاري العمراني بين الماضي والحاضر والمستقبل. فيما تتمثل رسالته في: المشاركة في إثراء الإنتاج العلمي لجامعة الملك سعود في مجالات المحافظة على التراث العمراني وتنميته، ونشر الوعي المعرفي بأهمية التراث العمراني والمحافظة عليه، والعمل على استمرارية الهوية التراثية العمرانية للمجتمع السعودي. وتنمية الحس الحضاري بتميز التراث العمراني للمجتمع السعودي والاعتزاز به، إضافة إلى تربية جيل من المعماريين السعوديين المتحمسين لتأصيل العمارة المحلية المعاصرة. ويسعى الكرسي إلى تحقيق التكامل بين العملية التعليمية والممارسة المهنية في المحافظة على التراث العمراني. وتعزيز ثقافة الاهتمام والاعتزاز بالتراث العمراني لدى طلاب برامج التعليم المعماري على مختلف مستوياتهم. وتنمية الشراكة العلمية والعملية بين الجامعة ممثلة في كلية العمارة والتخطيط والهيئة العامة للسياحة والآثار.
هنا جانب آخر من توجهات هيئة السياحة للعناية بالتراث العمراني. التوجه جاء مختلفاً في أهدافه المبتكرة والتي ستساهم بشكل كبير في إبراز البعد الحضاري للمملكة في مختلف العصور، ويتمثل هذا التوجه في تأسيس الشركة السعودية للضيافة التراثية لتتكامل مع مشروع الملك عبدالله - يرحمه الله - للعناية بالتراث الحضاري للمملكة. الشركة التي وافق عليها مجلس الوزراء بموجب القرار رقم (93) وتاريخ 1/4/1434هـ، بناءً على طلب الهيئة العامة للسياحة والآثار بدخول الدولة ممثلة بصندوق الاستثمارات العامة شريكاً في مشروع الفنادق التراثية من خلال تأسيس شركة مساهمة قابضة لتطوير واستثمار المباني التراثية في مجال الإيواء والضيافة التراثية. وأعدت الهيئة العامة للسياحة والآثار دراسة جدوى لتأسيس الشركة على افتراض إنشاء مرافق إيواء وضيافة تراثية في أربعة مواقع، وهي حي سمحان في الدرعية التاريخية، جدة التاريخية، العلا، والأحساء، وخَلُصت الدراسة إلى جدوى تأسيس الشركة ومشاريعها المقترحة برأس مال وقدره 250 مليون ريال. ستقوم الشركة بإنشاء وإدارة مرافق الإيواء السياحي التراثي والضيافة التقليدية، وإعداد هوية للضيافة التراثية تكون معروفة دولياً، للاستفادة من الإرث التراثي الفريد للمملكة، وإبراز قيمة التراث الأصيل، وإعداد تجارب تراثية للضيافة الفاخرة، والتمتع بعناصر التراث العمراني والشعبي، وتطوير مواد وأساليب البناء التراثية، بما يتلاءم مع مرافق الضيافة التراثية عالية الجودة. والعمل على تحفيز السياحة في المناطق ذات الإمكانات السياحية. وسيستمتع نزلاء المرافق التراثية بقائمة الأطباق الشعبية التي ستقدم في أطباق تراثية، كذلك سيتم هناك تسويق الحرف والمشغولات اليدوية.
الجهود المبذولة للحفاظ على الهوية الثقافية للمملكة، وتراثها الحضاري اقتحمت العالم، حيث دخلت السعودية قائمة التراث العالمي من خلال إدراج موقع الحجر "مدائن صالح" ضمن القائمة، متنافسة مع أكثر من 41 دولة، على الانضمام للقائمة الأولى على مستوى العالم، من حيث التراث العمراني، والمواقع التاريخية والطبيعية. وقد اعتمد موقع الحجر "مدائن صالح"، في قائمة التراث العالمي، التي تضم أكثر من 851 موقعاً ثقافياً وطبيعياً، ذات قيمة استثنائية للتراث الإنساني، خلال اجتماع لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو في دورتها الثانية والثلاثين المنعقدة مؤخراً في مدينة كيبك بكندا. كما تم تسجيل الدرعية القديمة، وجدة التاريخية في قائمة التراث العالمي باليونسكو. وعملت الهيئة العامة للسياحة والآثار على تسجيل هذه المواقع لما لها من قيمة تاريخية وتراثية كبيرة يمكن أن تكون مصدر إشعاع حضاري وجذب سياحي على مستوى العالم.
حدث علمي سنوي ينظمه مركز التراث العمراني بهيئة السياحة الآثار، ويعد الذراع العلمية لجهود هيئة السياحة الرامية إلى الحفاظ على التراث العمراني. ويتم تنظيمه سنوياً في إحدى مناطق المملكة بالتزامن مع اليوم العالمي للتراث العمراني. وسيقام الملتقى هذا العام في مدينة تبوك. ويتضمن الملتقى معرضاً مصوراً عن مشروع الملك عبدالله للعناية بالتراث الحضاري للمملكة وعرضاً كاملاً عن تفاصيل المشروع، كذلك محاضرات علمية وفعاليات ثقافية بمناسبة اليوم العالمي للتراث العمراني. وتشارك المملكة سنوياً في الاحتفال باليوم العالمي للتراث الذي تقيمه منظمة اليونسكو في اليوم الثامن عشر من شهر أبريل من كل عام وتشارك فيه دول العالم بهدف زيادة الوعي بتنوع التراث والجهود المطلوبة لحمايته وتنميته. يذكر أن الهيئة نظمت مع جامعة دار العلوم الملتقى الأول العام قبل الماضي، والملتقى الثاني العام الماضي بالتعاون مع جامعة حائل. حيث هدف الملتقى إلى تعزيز ونشر قيم التراث العمراني، وأهمية صيانة التراث والحفاظ عليه باعتباره جزءاً مهماً للإنتاج والإبداع الإنساني على مر العصور.
منذ عام 2010 ظلت روائع الآثار السعودية تتنقل بين أهم مدن العالم، تحت مسمى (معرض روائع آثار المملكة عبر العصور)، حيث وقفت شعوب العالم مبهورة ومندهشة من ثقافات قديمة وحضارات متعاقبة شكلت التاريخ الحضاري للمملكة. فكرة المعرض المتنقل جاءت عام 2006م تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - وبناء على اقتراح الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك خلال افتتاحهما معرض (روائع من الفنون الإسلامية) الذي نظمته هيئة السياحة والآثار بالمتحف الوطني بالرياض. واستعرض المعرض عدداً كبيراً من القطع الأثرية المتنوعة، حيث شاهد زواره أكثر من 320 قطعة أثرية من التحف المعروضة في المتحف الوطني بالعاصمة الرياض ومتحف جامعة الملك سعود وعدد من متاحف المملكة المختلفة. وغطت القطع المعروضة الفترة التي تمتد من العصر الحجري القديم (مليون سنة قبل الميلاد) وحتى عصر النهضة السعودي، وتمر هذه الفترة الطويلة بالعصور الحجرية ثم بفترة العُبَيْد (الألف الخامس قبل الميلاد) ثم بفترة دلمون ثم فترة الممالك العربية المبكرة، ثم الممالك العربية الوسيطة والمتأخرة ففترة العهد النبوي ثم فترة الدولة الأموية والعباسية والعصر الإسلامي الوسيط والمتأخر، وأخيراً فترة توحيد المملكة العربية السعودية، وما تلاها من تطور وازدهار يتضح في كافة مجالات الحياة وبخاصة في خدمة الحرمين الشريفين. وجولة المعرض غطت عشر دول أوروبية وأمريكية، حيث أقيم أول معرض لروائع آثار المملكة في متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس في عام 2010، ثم أقيم في مؤسسة "كاشيا" ببرشلونة، ومتحف الإرميتاج بروسيا، ثم في متحف البرجامون ببرلين، ومتحف ساكلر بواشنطن، ثم انتقل إلى متحف "كارنيجي" ببيتسبرغ بالولايات المتحدة الأمريكية، ومتحف "فيتوريانو" بروما، ومتحف "الفنون الجميلة" بمدينة هيوستن، ومتحف "نيلسون - أتكينز للفنون" بمدينة كانساس، واختتم رحلته في "الفن الآسيوي" بمدينة سان فرانسيسكو.
حملة وطنية أطلقها سمو رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار لتعزيز الوعي بالبعد الحضاري لتراث المملكة تستهدف المجتمع المحلي، وطلاب المدارس ضمن برنامج التربية السياحية المدرسية (ابتسم)، وتمرير بعض الرسائل التعريفية والتوعوية حول البعد الحضاري للمملكة، وكذلك إنتاج أفلام كرتونية لتعريف الأطفال بمكونات حضارة بلادهم، ومشروع قافلة البعد الحضاري التي ستطوف أرجاء المملكة للتعريف بما تختزنه أرض المملكة من إرث حضاري عميق، ومسابقات المعلومات والرسم والتلوين للمعالم التراثية والأثرية، وتنفيذ ورش العمل المتحفية في المتاحف، وتنظيم زيارات الطلاب الميدانية للمواقع. وتتضمن الحملة برامج ومشروعات تستهدف التوعية والتعريف للمجتمع المحلي والشركاء، بإقامة ملتقى البعد الحضاري في كافة مناطق المملكة وبرعاية أمراء المناطق، حيث ستحتضن الجامعات السعودية ذلك الملتقى بما يحويه من أنشطة وفعاليات متعددة كالمحاضرات، وورش العمل، والمعارض، بالإضافة إلى إنتاج الأفلام الوثائقية عن المواقع الأثرية والتراثية، والمطبوعات العلمية، والكتيبات التعريفية بمواقع التراث الثقافي، وإقامة الملتقيات السنوية المتخصصة ومنها ملتقى التراث العمراني، وملتقى أصحاب المتاحف الخاصة، وكذلك إقامة عدد من الأنشطة والفعاليات الثقافية بالشراكة مع الأندية الأدبية في مختلف مناطق المملكة.
{gallery}issue4{/gallery}