الخميس 21 تشرين2/نوفمبر 2024

انطلاقاً من اتباع المملكة أحدث الأساليب العلمية في التخطيط لقيام نهضة صناعية على أسس علمية ثابتة تشارك في إنماء الدخل الوطني لخدمة الأجيال المستقبلية، فقد بدأت المملكة منذ بدأ العمل بخطط خمسية للتنمية عام 1390هـ بالاهتمام بالتنمية الصناعية، باعتبار الصناعة مصدراً أساسياً ومستداماً للدخل الوطني،

وذلك بفكرة توطين المصانع في مدن صناعية تكون بمثابة تجمعات صناعية متكاملة تتوافر فيها كافة مقومات الصناعة من خدمات وتجهيزات أساسية تراعى فيها شروط البيئة ومتطلبات السلامة، وإيجاد فرص عمل للمواطنين، وتوزيع التنمية على مناطق المملكة بشكل متوازن للحد من الهجرة إلى المناطق الرئيسية.

الرياض.. الريادة الصناعية

بدأت المعاملات التجارية في العاصمة الرياض منذ خمسين عاماً واتسمت بالتقليدية، وكان هناك نشاط محدود للتجارة والصناعة في بعض المواد الغذائية والمنسوجات والأعمال الحرفية، وذلك في سوق "دخنة" الذي يعد أقدم سوق في مدينة الرياض.
أما الصناعة في الرياض فكانت تقليدية كباقي مدن المملكة، حيث لم تتعد الأعمال الحرفية التي كانت طاقتها الإنتاجية بالكاد تكفي حاجة سكان الرياض.
النهضة الصناعية في العاصمة الرياض انطلقت قبل خمسين عاماً، وذلك بعد أن أنشئت المدن الصناعية وانتقلت الصناعات من البسيطة إلى الثقيلة ومن الإنتاج المحلي إلى التصدير إقليمياً.
وكما أن الرياض هي العاصة السياسية والاقتصادية للمملكة العربية السعودية، كذلك هي قلبها الصناعي النابض بالتصنيع في شتى مجالاته.. حيث تتصدر العاصمة قائمة المشروعات الصناعية بأكثر من 48 من المئة من إجمالي المصانع العاملة بالمملكة، حيث يتعدى عدد المصانع العاملة في الرياض في مختلف الأنشطة الصناعية أكثر من 3000 مصنع.
كانت أولى مراحل توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بداية النهضة الصناعية في المملكة العربية السعودية، حيث أدرك أهمية التجارة والصناعة في وقت مبكر من حكمه، حيث سعى - رحمه الله - إلى تشجيع الحركة التجارية وتنظيم النشاط الاقتصادي على المستويين الداخلي والخارجي، وذلك من خلال إنشاء المجلس التجاري عام 1345هـ، ثم أعقبه بإنشاء أول غرفة تجارية في المملكة، ثم القانون التجاري أو ما يسمى بنظام المحكمة التجارية، وذلك في عام 1350هـ. فكان هذا القانون نقطة الانطلاقة نحو نهضة صناعية حديثة بدلاً من الصناعات اليدوية والحرفية في ذلك الزمان. وأنشئت أول غرفة تجارية سعودية في مدينة جدة عام 1365هـ -1946م بأمر من الملك عبدالعزيز، ثم توسع إنشاء الغرف في جميع أنحاء المملكة، حيث أنشئت الغرفة التجارية الصناعية في العاصمة الرياض عام 1381هـ. وقد صدر النظام الساري للغرف التجارية الصناعية في المملكة العربية السعودية عام 1400هـ وذلك للمساهمة في تنظيم النهضة الصناعية ومساعدتها لتحقيق أهدافها.
وتواصلت النهضة الصناعية على مدى فترات الحكم التي تولاها أبناء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله -  من بعده، فكانت أول بذرة لهذه النهضة المعهد الصناعي الأول بالرياض الذي افتتحه الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – كأول مركز مهني متخصص في المملكة، وذلك في عام 1383هـ الموافق 1962م. وتحدث الملك فيصل – رحمه الله – في حفل الافتتاح قائلاً: "أيها الأخوان، إنه ليسعدني في هذه اللحظة السعيدة أن أؤكد عن بالغ سروري لما أراه ليس فقط من افتتاح مركز، إنما مما أراه من نفوس وثابة وشعور فياض نحو مستقبل زاهر ومجيد.. إن هؤلاء الأخوان الذين يدرسون في هذا المركز أو غيره، إذا لم أخشَ التجاوز فيمكن أن أقول إنهم الأساس ونحن الفروع".
ومن هنا بدأت مسيرة النهضة الصناعية في العاصمة الرياض من خلال سعي الدولة لتوفير الكوادر الوطنية المتخصصة في جميع مجالات التصنيع. وكان الهدف من هذا المعهد تأهيل كوادر وطنية قادرة على بناء وطن قوي ينهض بسواعد أبنائه.

 المعهد.. ومنصة انطلاقة الصناعة

بدأ المعهد مسيرته بإشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وفي ذلك الوقت التحق به 160 متدرباً في أربعة أقسام. وفي عام 1980م تم إلحاقه بالمؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني. المعهد بدأ نشاطه بشارع بحي الملز شارع الجامعة على مساحة صغيرة ثم انتقل إلى المنطقة الصناعية الثانية جنوب العاصمة الرياض ليتمدد على مساحة 6000 م2. يحتضن المعهد عدداً من الأقسام المهنية التي تؤهل الطلاب في عدد من المجالات الصناعية، فهناك قسم الميكانيكا والديزل الذي يحتوي على كافة أنواع المكائن سواء كانت للسيارات أو لغيرها، كذلك يتوفر بهذا القسم أحدث جهاز بالسوق يقوم بفحص حقن الديزل وكذلك فحص البخاخات ليؤكد بذلك أن المعهد يواكب كافة التحديثات التي تشهدها صناعة المكائن.
أما قسم التكييف والتبريد، فيقدم دروساً في التخصص الذي وضع له المعهد منهاجاً متكاملاً لجميع أنواع التكييف حيث يبدأ المقرر الدراسي بالنظري، ثم العملي في الصالة، لتنتهي الدورة بالعمل الميداني الخارجي.
وهناك قسم الإلكترونيات الذي يختص بتدريب الطلاب على صيانة الأجهزة السمعية والبصرية، حيث يتطلب الانضمام لهذا القسم حصول الطالب على شهادة الكفاءة المتوسطة، ويخضع المتدرب لثلاثة فصول دراسية وفصل تدريب عملي يحصل فيها الطلاب على تعلم الأساسيات، وصيانة الأعطال، وتنفيذ الدوائر الكهربائية وذلك لمدة ثلاثة عشر أسبوعاً في إحدى الورش المتخصصة.
المعهد خصص لمهنة النجارة التي تعد من أقدم المهن التي عرفها الإنسان قسماً منفصلاً. يتسم التدريب في هذا القسم بالدقة والنظام في طريقة تصميم المشغولات الخشبية التي تم تزيينها بإكسسوارات كشفت عن جودة الرسم الفني لهذه المشغولات.
يتم قبول الطلاب في هذا القسم بالشهادة الابتدائية ويخضعون للتدريب لمدة ثلاثة عشر أسبوعاً أيضاً يتعلمون من خلاله أساسيات المهنة وطريقة تشغيل واستخدام الأجهزة الكهربائية ومعرفة الإكسسوارات الخاصة بالنجارة والموبيليا، والأهم من ذلك إتقان الرسم الفني الذي يعد هو أساس الإبداع في التصميم.
وفي المعهد قسم خاص يعنى بتنمية العلاقة مع المجتمع من خلال القيام بالدراسات والبحوث واستشارات وخدمات التعليم المستمر، وكذلك العمل عن قرب للتعرف على احتياجات المجتمع التعليمية والتدريبية لوضع سياسة علمية تلبي تلك الاحتياجات وتزيد من نشر الوعي التقني بينهم، وكذلك يقوم القسم على تمكين المواطن من مواكبة تطور العلوم والتقنية عن تقديم برامج مناسبة لجميع فئات المجتمع على مختلف أعمارهم ومستوياتهم الثقافية والاقتصادية في شكل محاضرات ولقاءات علمية ودورات تدريبية.
وكذلك بالمعهد برنامج يسمى التدريب التعاوني وهي فترة تدريبية يقضيها الطلاب في المؤسسات لتطبيق ما اكتسبوه خلال الفترة التدريبية بالمعهد. وللمعهد دور كبير في تأهيل السجناء المفرج عنهم، وكذلك نزلاء الإصلاحيات حيث يقدم لهم خدمة اجتماعية تساعدهم على الانخراط في المجتمع ليصبحوا أعضاء فاعلين فيه.

شراكة إستراتيجية لغد مأمول

يحتضن المعهد ورشاً ومكاتب لبعض الشركات الكبرى مثل: شركة جنرال موتورز، وشركة العجو للأجهزة المكتبية. المعهد عقد شراكات إستراتيجية مع عدد من الشركات لتتولى مهام تدريب موظفيها على التخصصات التي تعمل بها، وفي داخل قسم شركة جنرال موتورز تجد قسم الميكانيكا، وآخر للسمكرة والدهان.
وكذلك لدى شركة جنرال برنامج مهندسي الاستقبال الذي تعمل من خلاله على تأهيل متدربين لتولي مهام استقبال السيارات بعد أن يخضعوا لدورة تدريبية شاملة على السيارات وقطعها، وكذلك كيفية التعامل مع العملاء، بحيث يخضع المتدرب لستة أسابيع تدريب نظري وعملي.
أما في قسم شركة العجو للأجهزة والآلات المكتبية يتدرب الطلاب على صيانة الأجهزة لمدة ثلاثة فصول تدريبية للتدريب على صيانة جميع الأجهزة والآلات المكتبية، فهؤلاء الطلاب ضمن الشراكة الإستراتيجية للمعهد الذي يتولى مهام تأهيل منسوبي الشركات التي تدخل معهم ضمن برنامج الشراكة.

نظام البرامج.. ومخرجات التدريب

ونظراً للتطورات الاقتصادية والصناعية التي تشهدها المملكة تم افتتاح العديد من الأقسام بالمعهد وذلك لسد احتياجات سوق العمل من المهن المختلفة، وقد شهد التدريب عدة أنظمة، حيث كان المعهد في بداياته يعتمد نظام الدورات المتتابعة الذي تتراوح المدة فيه من (14 – 18) شهراً، وفي عام 1417هـ تم تحويل نظام التدريب إلى نظام الفصول الدراسية لمدة سنتين لجميع البرامج، وفي عام 1425هـ طبق نظام الحقائب التدريبية، وبذلك أصبحت مدة البرامج تتراوح بين (4 - 8) فترات (كل فترة 8 أسابيع)، وفي عام 1430هـ تحول نظام التدريب إلى نظام الفصول التدريبية لمدة ثلاثة فصول وأصبحت مدة البرامج تتراوح بين (3 - 5) فصول تدريبية كل فصل (14) أسبوعاً.
وكذلك بالمعهد فصول لتعليم اللغة الإنجليزية للطلاب، حيث يخضع الطلاب إلى دراسة اللغة الإنجليزية والمصطلحات المرتبطة بالتخصص الذي يدرسونه.

الرياض.. والصناعة

النهضة الصناعية الحديثة بالرياض بدأت مع إنشاء أول مدينة صناعية متكاملة عام 1973م، حيث تضمنت أكثر من 1000مصنع قائم ومنتج لمختلف المنتوجات الصناعية ومنها: الصناعات الكهربائية، الصناعات البلاستيكية، الصناعات المعدنية، والصناعات الخشبية. ويتميز موقع المدينة الصناعية بقربه من الميناء الجاف ووجود سكة الحديد.
وتواصلت مسيرة النهضة الصناعية بالرياض بافتتاح المدينة الصناعية الثانية عام 1976م التي تضم 54 مصنعاً، وذلك لسد الطلب المتزايد على الأراضي الصناعية بالعاصمة، وقد تم تطوير المدينة الصناعية على أربع مراحل بمساحة إجمالية تزيد على 18 مليون م2، وتضم المدينة الصناعية حالياً مصانع عالمية مهمة تعمل على تقديم العديد من المنتجات الاستهلاكية. وجاء إنشاء هذه المدن انطلاقاً من حرص المملكة على أحدث الأساليب العلمية في التخطيط لقيام نهضة صناعية على أسس علمية ثابتة تشارك في إنماء الدخل الوطني لخدمة الأجيال المستقبلية، وذلك وفقاً لتوجيهات خططها التنموية التي أقرتها عام 1390هـ والتي تهدف إلى توطين المصانع في مدن صناعية تكون بمثابة تجمعات صناعية متكاملة تتوافر فيها كافة مقومات الصناعة من خدمات وتجهيزات أساسية تراعى فيها شروط البيئة ومتطلبات السلامة، وإيجاد فرص عمل للمواطنين، وتوزيع التنمية على مناطق المملكة بشكل متوازن للحد من الهجرة إلى المناطق الرئيسية.
أما على مستوى المدن الصناعية الاستثمارية والتي تتبع للقطاع الخاص فتحتضن الرياض عدداً من المدن التي تمثلت في: مدينة العبيكان الصناعية الخاصة، ومدينة العجيمي الصناعية الخاصة، ومدينة المياه والطاقة الصناعية الخاصة، ومدينة الفنار الصناعية الخاصة.
 وفي مجال صناعة التقنية والمعلومات والاتصالات، يتوفر في العاصمة الرياض عدد من المجمعات التقنية، ومجمعات تقنية المعلومات والاتصالات. ونتيجة للنمو المتسارع في هذا المجال، قامت المؤسسة العامة للتقاعد بتبني فكرة إنشاء منطقة تقنية خاصة حسب متطلبات الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية "مدن"، وقد تمت الموافقة على منح الترخيص لإنشاء منطقة تقنية خاصة بالرياض (مجمع تقنية المعلومات والاتصالات ITCC) ) الذي أنشئ على مساحة 7 آلاف متر مربع ويضم عدداً من المكاتب الإدارية والمباني السكنية وفندقاً ومركزاً للبيانات والمعلومات، هو مخصص لشركات الاتصالات وتقنية المعلومات. ويهدف المجمع إلى جعل العاصمة الرياض مركزاً للصناعات المعرفية والمعلوماتية وصناعة الاتصالات والبرمجيات والإلكترونيات المتقدمة. كما يهدف المجمع إلى زيادة قوة المنافسة العالمية لشركات تقنية المعلومات والاتصالات في السعودية.
كذلك هناك أيضاً وادي الرياض للتقنية الذي يتبع لجامعة الملك سعود، حيث يشجع هذا الصرح على الاختراع والابتكار والإبداع في مجالات مختلفة، بما يضمن تنمية الصناعات المعرفية والخدمية والحيوية وحاضنات الأعمال والتقنية ونحوها.
الوادي أقام شراكات مع عدد من الشركات المحلية والإقليمية والعالمية الكبرى التي تعنى بالصناعة المتقدمة والتقنية والباحثين المميزين على مستوى العالم واستقطابهم لإقامة مشاريع استثمارية مشتركة لنقل وتوطين صناعة التقنية في الرياض. ويتضمن وادي الرياض للتقنية عدداً من المشاريع والمراكز البحثية كمعهد الملك عبدالله لتقنية النانو، ومعهد الأمير سلطان لأبحاث التقنيات المتقدمة، ومركز سابك للتطبيقات البلاستيكية، والمركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد.
 إنشاء المدن الصناعية في العاصمة الرياض خضع لعدة معايير وتوجهات مهمة من أجل أن يكون دورها متكاملاً، بحيث تكون مدناً صناعية حضرية متكاملة الخدمات تتوفر فيها المجمعات السكنية والتجارية والتعليمية وخدمات الاتصالات ذات التقنية العالمية والخدمات الفندقية والبنكية ومراكز التدريب المهنية والمستودعات والمراكز الترفيهية ومباني مصانع نموذجية ومحطات الوقود وخدمات النقل ومعارض بيع منتجات المصانع ومناطق التقنية والأعمال. وتتولى هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية الإشراف على المدن الصناعية في المملكة بما في ذلك المدن الصناعية القائمة في العاصمة الرياض.