يتّسم التصميم العمراني للمساجد التي أنشأتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، بطابع معماري يمزج بين التراث والحداثة، وذلك من خلال إنشائها بتصاميم معاصرة مستوحاة من روح العمارة التراثية النجدية العريقة.
فقد مزجت مباني هذه المساجد بين متطلبات المباني العصرية من خدمات وتقنيات وساحات وتجهيزات حديثة، وبين التصميم التقليدي للمسجد
الذي يتكون من رواق مظلل تليه باحة مكشوفة فالمصلى المسقوف إلى جانب المآذن ذات الطراز المستوحى من العمارة المحلية، وهو الأمر الذي يبدو جلياً في مختلف مشاريع الهيئة وبرامجها التطويرية في المدينة، عبر تجسيدها لمبادئ العمارة الإسلامية التي تجمع في تكامل بين ما هو ديني وما هو دنيوي.
بيئة حيوية ومعاصرة
هذا التزاوج الذي اتجه إليه التطوير لدى الهيئة، أنتج معالم ذات روحانية وروح جاذبة، ابتعدت عن أن تكون مجرد مبانٍ جافة لا روح فيها، وذلك ضمن التزام الهيئة في مسيرتها التطويرية بالاهتمام بمحور التطوير الأساسي، وهو الإنسان.
فقد درجت أنشطة الهيئة التطويرية، على تلمس احتياجات الناس من خلال دراسات ميدانية تحليلية، ومن ثم إدراجها باهتمام ضمن مشاريعها التطويرية، سواء كانت هذه الاحتياجات دينية أو تجارية أو ترفيهية أو غيرها، ولمختلف الأعمار والأعراق.
لذا فليس غريباً أن تجذب مشاريع الهيئة الناس سواء كانوا أطفالاً أو كباراً، مواطنين أو وافدين بمختلف جنسياتهم وأعراقهم، وأن يجدوا فيها البيئة الملائمة لاحتياجاتهم الدينية والنفسية والاجتماعية والمادية.
كما اعتنت بأن تكون هذه المعالم معززة للقيم والعلاقات الاجتماعية والمظاهر السلوكية الإيجابية، حيث تلمست أهمية إضفاء الأجواء الروحانية المناسبة لتعزيز العلاقات الإيجابية المباشرة بين السكان، وإيجاد بيئات تساعد الناس على الالتقاء والحوار والتواصل الثقافي فيما بينهم، وتشجيع المجتمع على ممارسة أنشطته بصورة جماعية، فجاءت هذه المعالم متوفرة على العطاءات المكانية التي تدعم التلاقح الثقافي بين الناس.
طراز معماري أصيل
وفي الوقت الذي حافظت فيه هذه المعالم على الضوابط الإسلامية في عمارة المساجد، وعلى الطرز العمرانية المحلية والإسلامية، صبغت جميع هذه المعالم بسحنة من البناء الخالي من الزخارف، الذي يستفيد من التقنيات الحديثة في البناء، فظهرت معالم ذات مهابة وروحانية وتناسق بصري غير متكلف في الجماليات.
ومن أشهر هذه المعالم، جامع الإمام تركي بن عبدالله الذي يعرف في الرياض بـ (الجامع الكبير) والذي يعد أشهر مساجد الرياض، وكان ملتقىً للعلماء وطلبة العلم، وشهد أحداثاً تاريخية كبيرة، وأسهب في وصفه الرحالة الأجانب.
وضمن برنامجها لتطوير منطقة قصر الحكم في وسط مدينة الرياض، أعادت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض تشييد الجامع في موقعه السابق على مساحة تبلغ 16.800 متر مربع ليستوعب نحو 17 ألف مصلٍ، وتم افتتاحه في شهر شعبان من عام 1413هـ.
ويتكون الجامع من مصلى رئيسي للرجال وآخر للنساء، وسرحة خارجية تبلغ مساحتها 4800 متر مربع، ومكتبتين إحداهما للرجال والأخرى للنساء، كما يحتوي على سكن للإمام والمؤذن، ويشمل مكاتب خاصة بالأجهزة الحكومية ذات الصلة، ويوجد تحتها 50 محلاً تجارياً، ويتصل الجامع بقصر الحكم عبر جسرين على مستوى الدور الأول فوق ساحة الصفاة الواقعة بينهما، بما يحاكي ما كان عليه الجامع في السابق.
وقد فاز جامع الإمام تركي بن عبدالله الذي أعادت الهيئة تطويره، بجائزة «آغا خان العالمية للعمارة» لعام 1415هـ (1995) خلال دورتها التي عقدت في مدينة سولو الإندونيسية.
فيما اختيرت ساحة الصفاة المجاورة للجامع من قبل جمعية المعماريين الدنمركية، ضمن أفضل الساحات في العالم في كتاب (الساحات الجديدة للمدن) الذي أصدرته الجمعية، وتضمن 39 ساحة شهيرة في تسع مدن كبرى حول العالم جميعها من القارة الأوروبية والأميركية.
وإلى الجنوب من "الجامع الكبير" شيدت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، بأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - جامع الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ضمن برنامجها لتطوير ميدان دخنة المحاذي لمنطقة قصر الحكم، على مساحة تبلغ تسعة آلاف متر مربع، ويتكون من مصلى للرجال وآخر للنساء، وصحن ورواق، إضافة إلى مكاتب لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسكن للإمام والمؤذن، ومرافق الصيانة ومحلات تجارية ومكتبة.
وقد شيّد الجامع بشكل مترابط ومتجانس ومتناسق وظيفياً وعمرانياً مع أربعة برامج تطويرية تولتها الهيئة في المنطقة، شملت برنامج تطوير سوق الزل، ومقر المحكمة العامة، ومقر المحكمة الجزائية، وميدان دخنة.
جمالية النمط العمراني
أما جامع الملك عبدالعزيز الذي أعادت الهيئة العليا تشييده في موقعه السابق في حي المربع ضمن برنامجها لتطوير مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، فقد أنشئ لأول مرة ضمن مجمَّع قصور المربع التي شيدها الملك المؤسّس عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - وظل على بنائه التقليدي حتى أعادت الهيئة عمارته وترميمه وإعادة تأهيله بشكل كامل من الناحية المعماريّة والهندسيّة والخدمية، وأضافت إليه عدداً من الإنشاءات الخدمية والحوائط الجمالية لينسجم مع النمط العمراني لسائر منشآت مركز الملك عبدالعزيز التاريخي الأخرى المجاورة للجامع، حيث بات الجامع بمقدوره استيعاب أكثر من خمسة آلاف مصلٍ، على مساحة تبلغ 5540 متراً مربعاً، وقد تم افتتاحه في شهر شوال من عام 1419هـ.
وقد نال مركز الملك عبدالعزيز التاريخي الذي يحتضن الجامع، جائزة الملك عبدالله الثاني بن الحسين للإبداع الخاصة في "حقل المدينة العربية وقضاياها ومشروعاتها العمرانية وبحوثها" وذلك في الدورة الثانية للجائزة لعام 1424هـ (2004م)، كما فاز المركز بجائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني في دورتها الأولى لعام 1427هـ، ومنحت الجائزة للمركز لإنشائه في منطقة تاريخية كانت محوراً لتطور مدينة الرياض وأساساً للدولة السعودية المعاصرة، واهتمامه وتركيزه بإبراز الرسالة التي تضطلع بها المملكة بوصفها مهبط الوحي ومنطلق الإسلام.
وفاز مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، أيضاً بالمركز الأول والجائزة الذهبية في جانب المشاريع العمرانية، في جائزة مؤسسة الجائزة العالمية للمجتمعات الحيوية في لندن ببريطانيا للعام 1428هـ (2007م) التي تمنحها مؤسسة الجائزة العالمية للمجتمعات الحيوية.
وليس بعيداً عن جامع الملك عبدالعزيز في المربع، شيّدت الهيئة مسجد المدي الذي يقع على طريق الملك فيصل في الجزء الشرقي من مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، والذي يعد من أوائل المنشآت المعمارية في المملكة التي يتم فيها تطبيق التقنيات الحديثة في أساليب البناء باستخدام مواد طينية محلية "الطين المضغوط".
واعتبر في تصميم المسجد، تناسبه مع المستوى العمراني الذي تتمتع به منشآت مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، إذ حافظ المسجد على كافة عناصر عمارة المساجد المحلية من وجود الفناء "السرحة" ودرج المئذنة، إضافة إلى بعض العناصر الجمالية المشابهة لـ "المداير" في العمارة المحلية، وشيّد المسجد على مساحة تبلغ 580 متراً مربعاً، ويستوعب 500 مصلٍ، وتم افتتاحه في شهر شعبان من عام 1425هـ.
وكسابقيه حاز مشروع مسجد المدي الجائزة الأولى لمنظمة العواصم والمدن الإسلامية في دورتها السابعة التي عقدت في العاصمة التركية أنقرة عام 1428هـ وذلك عن المشروعات والخدمات البلدية.
المساجد مراكز علمية وحضارية
أما جامع الإمام محمد بن سعود بالدرعية، فقد شيدته الهيئة على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في محافظة الدرعية على مساحة تبلغ 50 ألف متر مربع، ليستوعب نحو 4900 مصلٍ، وتم افتتاحه عام 1419هـ، ويضم مصلى للرجال وآخر للنساء، ورواقاً داخلياً، وسرحة خارجية، إضافة إلى مسطحات خضراء خارجية وجلسات للنزهات العائلية في محيطه الخارجي، وألحق بالجامع سكن للإمام والمؤذن، ومقر لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومواقف للسيارات.
وقد شيّد هذا الجامع لأول مرة في عهد الدولة السعودية الأولى، ودرّس فيه الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - طلابه العلوم الشرعية، وكان المسجد منارة للدعوة السلفية ومركز إشعاع علمي للطلاب.
كما شيدت الهيئة ضمن مشاريع تطوير حي البجيري في الدرعية التاريخية، جامع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والذي يرجع تاريخ إنشائه إلى أيام الدولة السعودية الأولى أيضاً، واكتسب شهرته بتدريس العلوم الدينية التي كان يلقيها الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - حيث كان الطلاب يتوافدون إليه طلباً للعلم من كل أرجاء الجزيرة العربية.
ومن بين أبرز المساجد التي شيّدتها الهيئة في مدينة الرياض، الجامع الكبير لإسكان موظفي وزارة الخارجية الذي أقيم على مساحة تبلغ 1010 أمتار مربعة، ويستوعب 1000 مصلٍ.
وقد نال مشروع المجمع السكني لموظفي وزارة الخارجية بالرياض الذي نفذته الهيئة العليا، جائزة مجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب عن تميز تصميمه وإبراز السمات الثقافية والبيئية في هياكله العمرانية وسط محيط يتوفر على المتطلبات الدينية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والترفيهية، مع الحفاظ على أكبر قدر من الخصوصية من خلال المزج المتوافق بين الملامح البيئية وأسباب الرفاهية العصرية.
وفي الجانب الغربي من المدينة، شيدت الهيئة العليا، مجموعة من المساجد في حي السفارات، تشمل مساجد منطقة ابن موسى ومنطقة أبي بكر الكرخي ومنطقة ابن زهر ومنطقة أبي الوفاء البوزجاني في حي السفارات.
ومن أبرز مساجد الحي التي شيدتها الهيئة، جامع الكندي، الذي أقيم بجوار ساحة الكندي المفتوحة، على مساحة تبلغ 5830 متراً مربعاً، ويستوعب خمسة آلاف مصلٍ، وقد فاز الجامع بجائزة ندوة عمارة المساجد التي نظمتها جامعة الملك سعود في عام 1417هـ، فيما فاز حي السفارات الذي نفذته الهيئة العليا أيضاً، بجائزة آغا خان العالمية للعمارة عام 1410هـ، وجائزة المشروع المعماري لمنظمة المدن العربية في دورتها الثالثة عام 1410هـ، والتي عقدت بمدينة الرباط في المغرب.
وتمتد قائمة المساجد التي شيدتها الهيئة، لتشمل عشرات المساجد داخل مدينة الرياض وفي محافظات منطقتها، ومن بينها: مسجد الإمام فيصل بن تركي على شارع الثميري بجوار قصر المصمك الأثري، وجامع الملك فهد في حي الملز، ومسجد ابن قباع بجوار المحكمة العامة في الرياض، وجامع الملك سعود بالناصرية، وجامع الملك عبدالعزيز في الخرج، وجامع الملك عبدالعزيز في الخرمة، وجامع الأمير تركي بن أحمد السديري في الغاط.