الأربعاء 8 أيار 2024

شهدت مدينة الرياض قفزة كبيرة في مجال إنشاء الساحات المفتوحة في مختلف أحيائها القديمة والحديثة، بعد أن كانت هذه الساحات مقتصرة في السابق على الأحياء التاريخية، حيث تعمل الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وفق إستراتيجية ثابتة تهدف إلى تصميم المشاريع

والمرافق الكبرى بحيث توفر للنسيج العمراني السكني المحيط بها ساحات وميادين ومناطق مفتوحة تخدم سكان الأحياء المجاورة وقاصدي المنطقة، وتحقق التكامل بين المتطلبات الوظيفية لهذه المنشآت والمتطلبات المتعلقة بالنسيج العمراني المحيط بها.وقد استعادت الساحات في العاصمة مكانتها كملتقى للعائلات والشباب بغرض التنزه على غرار معظم المدن في العالم، بعد أن اختفت هذه الساحات نتيجة التوسع العمراني الشاسع الذي عاشته المدينة خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث أعيد بناء العديد من الساحات القديمة، وتم إنشاء ساحات جديدة مجهزة بالخدمات والتشجير والظلال والنوافير ووسائل الترفيه والتنزه وألعاب الأطفال والمطاعم والمقاهي الحديثة ومحلات الألعاب والتموين والهدايا.

ساحات منطقة قصر الحكم
ساحات منطقة قصر الحكم

ساهمت ساحات وسط المدينة التي نفذتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، في استعادت المنطقة لمكانتها وأهميتها التاريخية والثقافية والاقتصادية التي كانت تتمتع بها منذ تأسيس المدينة، وأصبحت مقصداً للسكان بغرض التنزه أو التسوق في المجمعات التجارية التي تحيط بهذه الساحات، حيث يرتادها معظم زوار العاصمة السعودية لاحتضان هذه الساحات تاريخ تأسيس الرياض وبالتالي تاريخ تأسيس الدولة السعودية، إذ تتميز ساحات منطقة قصر الحكم التي تتكون من (ميدان العدل، وساحة الإمام محمد بن سعود، وساحة الصفاة، وساحة المصمك) باحتوائها على مواقع مؤثرة في تاريخ تأسيس المملكة مثل: جامع الإمام تركي بن عبد الله (الجامع الكبير)، وقصر الحكم ومقر إمارة منطقة الرياض، وأمانة منطقة الرياض، وبوابة الثميري، وبوابة دخنة، وبرج الديرة، وأجزاء من سور المدينة القديم. واختيرت ساحات منطقة قصر الحكم كإحدى أفضل الساحات في العالم في كتاب (الساحات الجديدة للمدن) الذي أصدرته جمعية المعمارين الدنماركية لعام 2002 واشتمل على 39 ساحة شهيرة في تسع مدن كبرى حول العالم كانت جميعها في أوروبا والولايات المتحدة. وجاء اختيار ساحات الرياض لتمكنها من تحقيق أعلى درجة من الدمج بين الوظائف الدينية والثقافية والتجارية والإدارية للمنطقة، وفقاً لتصاميم عمرانية حديثة وعصرية حافظت على أصالة المنطقة وعراقتها التاريخية وطابعها المحلي. ويزيد من عوامل الجذب للساحات التي تتوسط المنطقة المركزية في الرياض، مجاورتها لعدد من الأسواق التاريخية التي اشتهرت بها المدينة والتي تم إعادة تشييدها ضمن مشروع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، لتنمية المنطقة، وأبرز هذه الأسواق: سوق الأوقاف، سوق سويقة، سوق الديرة، سوق المعيقلية، إضافة إلى مراكز التسوق الحديثة مثل: مركز التعمير ومركز ابن سليمان والشوارع التجارية العديدة التي تحيط بالمنطقة.

ساحات حي السفارات
ساحة الكندي بحي السفارات

تحتل ساحات حي السفارات غربي مدينة الرياض مكانة متقدمة بين ساحات المدينة من حيث التصميم والخدمات والإقبال من قبل المتنزهين، وهي أيضاً من مشاريع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض التي أسست الحي قبل 35 عاماً وتتولى إدارته وتشغيله. وتتميز ساحة الكندي الفائزة بعدة جوائز معمارية، بتصميمها العمراني الذي جعل المسجد أهم معالمها، حتى أن نمط رصف الساحة يشير لاتجاه المسجد والقبلة، كما تشكل الساحة فراغاً بصرياً للعمق الذي يحتاجه ارتفاع المسجد باعتباره أضخم كتلة معمارية في الموقع، وتمتاز بتعدد مداخلها من جميع الاتجاهات وسهولة استخدامها من قبل الكبار والصغار وذوي الاحتياجات الخاصة. وللحفاظ على أكبر قدر من الفراغ أو لإقامة الفعاليات والأنشطة المختلفة، وضعت العناصر الوظيفية على أطراف الساحة كأماكن الجلوس والنوافير والأحواض المزروعة وأعمدة الإنارة والمحلات التجارية، كما تقوم ساحة الكندي بوظيفة مزدوجة فهي في الوقت ذاته سقف لمواقف السيارات التي تقع تحت الساحة.

ساحات مركز الملك عبدالعزيز التاريخي

تحظى ساحات مركز الملك عبد العزيز التاريخي الذي يتوسط أحياء مدينة الرياض القديمة، بإحدى أعلى درجات الكثافة من الزوار والمتنزهين في المدينة، لما تتمتع به من مزايا عديدة من أبرزها ما يتمتع به المركز الذي أسسته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عام 1419هـ، من مستويات متفاوتة من العمارة التراثية التي تجمع بين إحياء النسيج العمراني التقليدي والأجواء التراثية المتمثلة في المباني الطينية التي خضعت لإعادة ترميم وفق أسس علمية باستخدام المواد المحلية مما يجعلها عرضاً متحفياً للعمارة المحلية مهيأة لاستيعاب الأنشطة الثقافية والتراثية والمتحفية إلى جانب كونها نموذجاً خاصاً لإعادة الترميم. كما تقدم دارة الملك عبد العزيز التي تمثل إحدى أهم منشآت المركز وتطل على عدد من ساحات المركز، نموذجاً فريداً في العمارة التراثية حيث أقيمت على مخطط قصر الملك عبد العزيز وأعادت بناء بعض تكويناته العمرانية، في حين يتجاوب مبنى المتحف الوطني الحديث المقام في أحد أركان المركز مع العمران التراثي السائد في المركز من خلال عدم سيطرة مبنى المتحف على البيئة العامة في الموقع وتداخلها مع التكوينات الطبيعية والمسطحات الخضراء، وينطبق ذلك على المنشآت الأخرى في المركز وتشمل مباني مكتبة الملك عبد العزيز وقاعة الملك عبد العزيز للمحاضرات ومقر وكالة الآثار والمتاحف. كما تتمتع ساحات ومنشآت المركز ببنية معمارية تراثية وحديثة في آن واحد، حيث تمكن المركز من إيجاد صيغة عمرانية لدمج هذه المنشآت ضمن منظومة عناصره الأساسية مع استمرار احتفاظ هذه المنشآت بمقوماتها وأدوارها الحيوية، وفي مقدمة هذه المنشآت مسجد الملك عبد العزيز وطريق الملك سعود الذي يمر عبر المركز وبرج المياه الكبير الذي يعد إحدى أهم منشآت المركز من حيث الميزة العمرانية والوظيفية، ويجري حالياً الإعداد للإفادة من الميزة العمرانية للبرج المتمثلة في علوه الشاهق نسبياً عبر إعادة تجهيز المطعم العلوي فيه وتطوير الحديقة المحيطة به بنفس منهجية بقية حدائق المركز. ومن بين أبرز أماكن الجذب الثقافية الترفيهية التي يحتويها المركز أيضاً مجمع قصور المربع التي كانت مقر سكن أسرة الملك عبد العزيز والتي أعيد ترميم أجزاء منها وتأهيلها إنشائياً لتتمكن من استقطاب أنشطة ثقافية موسمية وللعروض المتحفية أو عرض الفلكلور الشعبي، كما أعيد ترميم إحدى الآبار في المركز وجعل مياهها تتدفق في الممرات التي تخترق الحديقة الوسطية للمركز.

ساحات المحكمة العامة والمحكمة الجزائية

وغير بعيد عن مركز الملك عبدالعزيز التاريخي أنشئت إحدى أكثر ساحات مدينة الرياض استقطاباً للمتنزهين، وتتمثل في الساحات التي أنشأتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ضمن مشروعها لإنشاء مقري المحكمة العامة والمحكمة الجزائية ضمن مشروعات الهيئة في منطقة قصر الحكم. وتتيح هذه الساحات لسكان المناطق المجاورة للمحكمتين التنزه في منطقة مفتوحة غير مسورة تزخر بالمكونات الطبيعية والتشجير والمسطحات الخضراء إلى جانب ما تقدمه من وظائف ضرورية مباشرة لمبنى المحكمتين من مواقف وعمق بصري يحيط بالمباني، إضافة إلى وظيفتها المزدوجة في كونها سقفاً لمنطقة الخدمات المساندة والمواقف للمحكمة التي تقع أسفل الساحة. وبذات القدر الذي تتفاوت فيه ساحات مدينة الرياض في قيمتها التاريخية ومقدار جذبها للرواد فإنها تتفاوت أيضاً في الوظائف التي تتوفر عليها، حيث عملت هيئة تطوير الرياض في إنشاء الساحات وتصميمها على إعادة إحياء الوظيفة الأساسية للساحة والتفاعل الإيجابي بينها وبين المسجد والسوق والترفيه والخدمات كأبرز مكونات العمارة الإسلامية، وحققت ضمن ذلك نجاحاً معمارياً جعل العديد من ساحات الرياض تفوز بجوائز معمارية شهيرة عربية وعالمية.

ساحة مكتبة الملك فهد الوطنية

أنهت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، ضمن مشروعها لتوسعة مكتبة الملك فهد الوطنية، إنشاء ساحة مفتوحة في الجزء الشرقي من المكتبة المطل على شارع العليا، بمساحة تبلغ 20 ألف متر مربع، لتكون متنفّساً ترويحياً مفتوحاً للسكان والمتنزهين، وبالأخص القاطنين في المناطق المحيطة بالمكتبة التي تتسم بكثافتها العمرانية العالية، وتعدد استعمالاتها. وتمثّل الساحة، أحدث إضافة للساحات المفتوحة التي شيدتها الهيئة في المدينة، وأول الميادين العامة المفتوحة في شمالها، حيث جرى تصميم ساحة المكتبة، بما يتناسب مع التصميم الحديث للمكتبة، ودورها الريادي في رفد المجتمع الثقافي بشتى صنوف المعرفة، حيث تمزج الساحة بين تأمين المتطلبات الثقافية والترويحية في آن معاً في المنطقة، فضلاً عمّا تخلقه من صورة جمالية وإنسانية للمنطقة. وتقع الساحة فوق مبنى لمواقف السيارات أقيم تحت مستوى الأرض على مساحة تزيد على 16 ألف متر مربع، ويتكون من دورين اثنين يتسعان لنحو 350 موقفاً، إضافة إلى 171 موقفاً خارجياً يحيط بالمكتبة والساحة معاً.

ساحات مجهزة في الطرق والميادين

أنشأت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، مجموعة أخرى من الساحات والميادين المفتوحة في مختلف أحياء المدينة، حيث تستهدف الهيئة في كافة مشاريعها وبرامجها التطويرية توفير ساحات وميادين ومناطق مفتوحة تخدم سكان الأحياء المجاورة لهذه المشاريع وقاصديها، ومن ذلك: ساحات طريق الملك عبد الله، وساحات ميدان الأمير سطام بن عبد العزيز عند التقاء طريقي العروبة وأبي بكر الصديق، وساحة الجزء الأوسط من طريق الملك فهد. كما سعت الهيئة إلى توفير كافة التجهيزات والمرافق الحديثة في هذه الساحات، إضافة إلى تكثيف التشجير وتنسيق المواقع في محيطها، وتزويدها بالإضاءة الجمالية والنوافير، وتخصيص مواقع للمطاعم والمقاهي الحديثة ومحلات الألعاب والتموين والهدايا في محيطها.

ساحات الدرعية التاريخية

كما سيشتمل مشروع تطوير الدرعية التاريخية الذي تنفذه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض على مساحة إجمالية تبلغ نحو 18كم2، وتتسارع الخطى لإطلاقه كأكبر موقع تاريخي بيئي ثري مفتوح في المنطقة، على مجموعة من الساحات العامة والأسواق التراثية والمتاحف والشواهد المعمارية، والبيئة الطبيعية، والعروض التفاعلية، والأنشطة الحية، والمتاحف، والفعاليات المفتوحة والخدمات التجارية.

إنشاء 100 ساحة بلدية

من جانبها بادرت أمانة منطقة الرياض بإنشاء 100 ساحة بلدية في مختلف أرجاء مدينة الرياض لتكون بمثابة ملتقيات مفتوحة للسكان، وبالأخص الفئة العمرية من الشباب فما دون، تمكنهم من استغلال أوقات الفراغ لديهم، والترويح بصورة مبتكرة ومحببة، ولإيجاد مواقع ترفيهية ورياضية للأطفال والشباب، تسهم في تنميتهم جسدياً وذهنياً وتفاعلياً عبر ممارسة النشاطات الرياضية داخل الأحياء السكنية. كما تساهم هذه الساحات في إيجاد مواقع للكبار، تمكنهم من ممارسة رياضة المشي، بما ينعكس إيجاباً على صحتهم البدنية والنفسية، فهي بمثابة متنفس طبيعي لكافة أفراد الأسرة من ساكني الحي، يتميز بتكامل خدماته، وسرعة إنجازه، وقلة تكلفة الإنشاء والصيانة. فأحد جوانب تميز فكرة الساحات البلدية، أنها منشآت تنفرد بالبساطة والواقعية، ولا تحتاج إلى بنية أساسية كبيرة، ويمكن تشييدها خلال فترة وجيزة بالمقارنة بمشاريع الحدائق العامة، كما يمكن استخدام مواد غير مكلفة في أعمال الإنشاء، لتحقق متطلباتها الوظيفية على أكمل وجه. وتحتوي كل ساحة بلدية على عدد من العناصر، منها: ممر لممارسة رياضة المشي، مضمار لممارسة تمارين الإحماء الرياضية والسكيت والسكوتر، ملعب متعدد الأغراض لممارسة رياضة كرة القدم وكرة اليد، ملعب متعدد الأغراض لممارسة رياضة كرة الطائرة وكرة السلة، ملعب للأطفال الصغار، أماكن مهيأة لجلوس كبار السن والشباب، مسطحات خضراء ومظهر عام منسق بالأشجار والنباتات والزهور، دورات مياه للرجال والنساء، مواقف للسيارات، مبنى إداري وبوفيه لخدمات المرتادين. وتتوزع الساحات البلدية على ثلاثة أنواع: ساحات بلدية مستقلة تكون على شوارع رئيسية وتتراوح مساحتها ما بين 4000 و 25 ألف متر مربع، وساحات بلدية تكون عبارة عن جزء من متنزه وأحد عناصرها الرئيسية، وتكون مساحاتها ما بين 3000 و 9000 متر مربع، وساحات بلدية صغيرة على مستوى الحي السكني. ويتم اختيار مواقع الساحات البلدية وفق عدد من المعايير، منها وقوعها على أربعة شوارع رئيسية، والبعد قدر الإمكان عن المساكن، والقرب من المساجد والإدارات الحكومية، وتتميز جميعها، بمراعاتها لرغبات الأطفال والشباب وباقي أفراد الأسرة، وما تحققه لمرتاديها من المتعة والترفيه والصحة والسلامة والأمن، إلى جانب تلبيتها لمتطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة.